- قال ابن بطال: (قال المهلب: معنى هذا الحديث - والله أعلم - الحض على معالي الأحوال، وطلب الرزق من أشرف الصناعات لما خشي النبي على أمته من الاشتغال بالحرث وتضييع ركوب الخيل والجهاد في سبيل الله، لأنهم إن اشتغلوا بالحرث غلبتهم الأمم الراكبة للخيل المتعيشة من مكاسبها، فحضهم على التعيش من الجهاد لا من الخلود إلى عمارة الأرض ولزوم المهنة، والوقوع بذلك تحت أيدي السلاطين وركاب الخيل. ألا ترى أن عمر قال: تمعددوا واخشوشنوا، واقطعوا الركب، وثبوا على الخيل وثبا لا يغلبكم عليها رعاة الإبل. أي دعوا التملك والتدلك بالنعمة، وخذوا أخشن العيش لتتعلموا الصبر فيه، فأمرهم بملازمة الخيل والتدريب عليها والفروسية، لئلا تملكهم الرعاة الذين شأنهم خشونة العيش، ورياضة أبدانهم بالوثوب على الخيل، وقد رأينا عاقبة وصيته فى عصرنا هذا بميلنا إلى الراحة والنعمة. قال المؤلف: فمن لزم الحرث وغلب عليه، وضيع ما هو أشرف منه، لزمه الذل كما قال عليه السلام، ويلزمه الجفاء فى خلقه لمخالطته من هو كذلك .... - فمن - شأن ملازمة هذه المهن توليد ما ذكر من هذه الصفات ومن الذل الذى يلزم من اشتغل بالحرث ما ينوبه من المؤنة بخراج الأرضين) (?).
- وعن تميم الداري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر)) وكان تميم الداري، يقول: (قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية) (?).
- وجاء من طريق المقداد بن الأسود الكندي رضي الله عنه بنحو حديث تميم رضي الله عنه وفيه بيان لصورة العز والذل فقال صلى الله عليه وسلم: ((يعزّهم الله فيجعلهم من أهلها أو يذلّهم فلا يدينوا لها)) (?).
قال المباركفوري: (وذل بضم الذال ذليل أي أو يذله الله بها – كلمة الإسلام - حيث أباها بذل سبي أو قتال حتى ينقادون لها طوعاً أو كرهاً، أو يذعن لها ببذل الجزية، والحديث مقتبس من قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 33]، ثم فسر العز والذل بقوله إما يعزهم الله أو يذلهم (فيدينون لها) بفتح الياء أي فيطيعون وينقادون لها، من دان الناس أي ذلوا وأطاعوا) (?).