يقول ابن القيم تعليقاً على هذا الحديث: ( ... ثم ذكر الجبن والبخل فإن الإحسان المتوقع من العبد إما بماله وإما ببدنه فالبخيل مانع لنفع ماله والجبان مانع لنفع بدنه ... ) (?).
وقال: (والجبن والبخل قرينان: فإن عدم النفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن، وإن كان بماله فهو البخل) (?).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق، كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد، قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما، فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه، حتى تغشي أنامله وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت، وأخذت كل حلقة مكانها قال: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: بإصبعه في جيبه فلو رأيته يوسعها ولا توسع)) (?).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعليقاً على هذا الحديث: (لما كان البخيل محبوسا عن الإحسان ممنوعا عن البر والخير وكان جزاؤه من جنس عمله فهو ضيق الصدر ممنوع من الانشراح ضيق العطن صغير النفس قليل الفرح كثير الهم والغم والحزن لا يكاد تقضى له حاجة ولا يعان على مطلوب فهو كرجل عليه جبة من حديد قد جمعت يداه إلى عنقه بحيث لا يتمكن من إخراجها ولا حركتها وكلما أراد إخراجها أو توسيع تلك الجبة لزمت كل حلقة من حلقها موضعها وهكذا البخيل كلما أراد أن يتصدق منعه بخله فبقي قلبه في سجنه كما هو) (?).
- وعَن جَابر رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا بني سلمة من سيدكم قالوا: الجد بن قيس وإنا لنبخله، قال: وأي داء أدوأ من البخل بل سيدكم الخير الأبيض عمرو بن الجموح)) قال: وكان على أضيافهم في الجاهلية قال: وكان يولم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج (?).
قال الإمام المناوي: (أَي عيب أقبح مِنْهُ لَأن من ترك الإنفاق خوف الإملاق لم يصدق الشَّارِع فَهُوَ دَاء مؤلم لصَاحبه فِي الْآخِرَة وإن لم يكن مؤلما فِي الدُّنْيَا) (?).
- وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)) (?).
قال النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم (واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم) قال القاضي يحتمل أن هذا الهلاك هو الهلاك الذي أخبر عنهم به في الدنيا بأنهم سفكوا دماءهم ويحتمل أنه هلاك الآخرة وهذا الثاني أظهر ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والآخرة) (?).
- وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج)) قالوا: يا رسول الله، أيم هو؟ قال: ((القتل القتل)) (?).
قال ابن حجر: (أما قوله ويلقى الشح فالمراد إلقاؤه في قلوب الناس على اختلاف أحوالهم حتى يبخل العالم بعلمه فيترك التعليم والفتوى ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره ويبخل الغني بماله حتى يهلك الفقير وليس المراد وجود أصل الشح لأنه لم يزل موجودا) (?).
وقال ابن الجوزي: (قوله: "يلقى الشح" على وجهين: أحدهما يلقى من القلوب، يدل عليه قوله: "ويفيض المال". والثاني: يلقى في القلوب فيوضع في قلب من لا شح عنده، ويزيد في قلب الشحيح. ووجه هذا أن الحديث خارج مخرج الذم، فوقوع الشح في القلوب مع كثرة المال أبلغ في الذم) (?).