- وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله وقتل النفس بغير حق وبهت المؤمن والفرار من الزحف ويمين صابرة يقتطع بها مالا بغير حق)) (?).
قال المناوي: (وبهت المؤمن أي قوله عليه ما لم يفعله حتى حيره في أمره وأدهشه يقال بهته كمنعه بهتا وبهتانا قال: عليه ما لم يفعل والبهتة الباطل الذي يتحير من بطلانه والكذب كالبهت بالضم ومقتضى تخصيص المؤمن أن الذمي ليس كذلك ويحتمل إلحاقه به وعليه إنما خص به المؤمن لأن بهته أشد) (?). وقال الشوكاني: (المراد ببهت المؤمن: أن يغتابه بما ليس فيه) (?).
- وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وكان شهد بدرا وهو أحد النقباء ليلة العقبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وحوله عصابة من أصحابه: ((بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه)) فبايعناه على ذلك (?).
قال البغوي: (معنى الحديث لا تبهتوا الناس افتراء واختلافا بما لم تعلموه منهم، فتجنوا عليهم من قبل أيديكم وأرجلكم، أي: قبل أنفسكم جناية تفضحونهم بها، وهم برآء، واليد والرجل كناية عن الذات) (?).
قال ابن الجوزي: (المراد بالبهتان هاهنا أربعة أقوال: أحدها: أنه الزنا، وافتراء المرأة بين يديها ورجليها، وهو ولد الزنا، لأنه يقع عند الوضع بين يديها ورجليها، فإذا ألحقته بزوجها فذلك البهتان المفترى. وقوله للرجال: (ولا يأتون ببهتان يفترونه) يحتمل شيئين: أحدهما: أن يكون بايع الرجال والنساء، فاجتمع الكل في النهي عن الزنا، وانفرد النساء بصيغة الافتراء بين أيديهن وأرجلهن. والثاني: أن يكون قرأ عليهم الآية ولم يسقط ما يتعلق بالنساء منها. والقول الثاني: أن المراد بالبهتان هاهنا قذف المحصنات والمحصنين، ويدخل في ذلك الكذب على الناس والاغتياب لهم، وإنما ذكرت الأيدي والأرجل لأن معظم أفعال الناس إنما تضاف منهم إلى الأيدي والأرجل، إذ كانت هي العوامل والحوامل، يقولون: لفلان عندي يد، والكناية باليد عن الذات، قاله أبو سليمان الخطابي. والقول الثالث: البهتان هاهنا المشي بالنميمة والسعي بالفساد. والرابع: أنهما السحر) (?).
أقوال السلف والعلماء في ذم الافتراء والبهتان:
- قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (البهتان: أن تقول ما ليس فيه) - أي أخيك - (?).
- وقال عبد الله بن مسعود: (الغيبة أن تذكر من أخيك شيئا تعلمه منه، فإذا ذكرته بما ليس فيه، فذلك البهتان) (?).
- وعن مسروق، قال قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية، قلت: ما هن؟ قالت: من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية .. ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من كتاب الله، فقد أعظم على الله الفرية .. ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد، فقد أعظم على الله الفرية .. ) (?).
- وقال فضيل: (في آخر الزمان قوم بهاتون، عيابون، فاحذروهم، فإنهم أشرار الخلق، ليس في قلوبهم نور الإسلام، وهم أشرار، لا يرتفع لهم إلى الله عمل) (?).
- وعن قتادة، قال: (كنا نحدث أن الغيبة: أن تذكر أخاك بما يشينه ويعيبه، وأن تكذب عليه، فذلك البهتان) (?).
- وقال سهل بن عبد الله: (من سلم من الغيبة سلم من الزور، ومن سلم من الزور سلم من البهتان) (?).