قال ابن تيمية: (الورع من باب وجود النفرة والكراهة للمتورع عنه وانتفاء الإرادة إنما يصلح فيما ليس فيه منفعة خالصة أو راجحة. وأما وجود الكراهة فإنما يصلح فيما فيه مضرة خالصة أو راجحة فأما إذا فرض ما لا منفعة فيه ولا مضرة أو منفعته ومضرته سواء من كل وجه؛ فهذا لا يصلح أن يراد ولا يصلح أن يكره فيصلح فيه الزهد ولا يصلح فيه الورع فظهر بذلك أن كل ما يصلح فيه الورع يصلح فيه الزهد من غير عكس وهذا بين. فإن ما صلح أن يكره وينفر عنه صلح ألا يراد ولا يرغب فيه فإن عدم الإرادة أولى من وجود الكراهة؛ ووجود الكراهة مستلزم عدم الإرادة من غير عكس. وليس كل ما صلح ألا يراد يصلح أن يكره؛ بل قد يعرض من الأمور ما لا تصلح إرادته ولا كراهته ولا حبه ولا بغضه ولا الأمر به ولا النهي عنه. وبهذا يتبين: أن الواجبات والمستحبات لا يصلح فيها زهد ولا ورع؛ وأما المحرمات والمكروهات فيصلح فيها الزهد والورع. وأما المباحات فيصلح فيها الزهد دون الورع وهذا القدر ظاهر تعرفه بأدنى تأمل) (?).