نماذج في كتمان السر

كتمان السر عند النبي صلى الله عليه وسلم:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتم أسرار خططه في الغزوات، وكان من هديه إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها.

- وقد بعث صلى الله عليه وسلم سرية من المهاجرين قوامها اثنا عشر رجلاً بقيادة عبد الله بن جحش الأسدي، ومعه رسالة مكتومة أمره الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يفتحها إلا بعد يومين من مسيره، فإذا فتحها وفهم ما فيها، مضى في تنفيذها غير مستكره أحداً من أفراد قوته على مرافقته (?).

- وكان للكتمان أثر كبير في مباغتة النبي صلى الله عليه وسلم للعدو:

(فبعد شهرين من غزوة أحد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن طليحة وسلمة ابني خويلد يحرضان قومهما بني أسد بن خزيمة لغزو المدينة المنورة ونهب أموال المسلمين فيها. وقرر النبي صلى الله عليه وسلم إرسال جيش من المسلمين وأمرهم بالسير ليلاً والاستخفاء نهاراً، وسلوك طريق غير مطروقة حتى لا يطلع أحد على أخبارهم ونياتهم فباغتوا بذلك بني أسد في وقت لا يتوقعونه) (?).

- وفي غزوة (دومة الجندل) قاد النبي صلى الله عليه وسلم ألف راكب وراجل من المهاجرين والأنصار لمنع القبائل التي تقطن (دومة الجندل) من قطع الطرق ونهب القوافل، والقضاء على حشودها التي تزمع غزو المدينة المنورة.

وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسلمين من المدينة المنورة يكمن بهم نهاراً ويسير ليلاً، وقد قطع المسلمون المسافة بين المدينة المنورة و (دومة الجندل) فلم يجد المسلمون أحداً منهم ... وعاد المسلمون من (دومة الجندل) بعد أن أقاموا فيها بضعة أيام. إن كتمان نيات المسلمين بالمسير ليلاً هو الذي جعلهم ينتصرون على أعدائهم (?).

- وفي غزوة فتح مكة المكرمة بلغ النبي صلى الله عليه وسلم في تطبيق عامل الكتمان حد الروعة حتى ليمكن اعتبار هذه الغزوة مثالا من أعظم أمثلة التاريخ العسكري في تطبيق الكتمان إلى أبعد الحدود.

وأمر أهله أن يجهزوه، ولكنه لم يخبر أحداً من المسلمين في الداخل أو الخارج بنياته وأهدافه من حركته واتجاهها، بل أخفى نياته وأهدافه واتجاه حركته حتى عن أقرب المقربين إليه، ولما اقترب موعد الحركة صرح الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه سائر إلى مكة المكرمة، ولكنه بث عيونه وأرصاده ليحول دون وصول أخبار اتجاه حركته إلى قريش، وبعث حاطب بن أبي بلتعة رسالة أعطاها امرأة متوجهة إلى مكة المكرمة، أخبرهم في تلك الرسالة بنيات المسلمين في التوجه إلى فتح مكة المكرمة (?). فعن عبيد الله بن أبي رافع، قال: سمعت عليا رضي الله عنه، يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير، والمقداد بن الأسود، قال: ((انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة، ومعها كتاب فخذوه منها، فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حاطب ما هذا؟، قال: يا رسول الله، لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفرا ولا ارتدادا، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد صدقكم، قال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)) (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015