فالأسس الأخلاقية والأسس الإيمانية ذات أصول نفسية واحدة، وإن كانت بعض التطبيقات العملية التي يطالب بها الإسلام المستند إلى الإيمان قد لا تستدعيها الأسس الأخلاقية وحدها منفصلة عن الإيمان، فلا يظهر بذلك ارتباطها بها، فهي أحكام شرعية، يقتضي الإيمان العمل بها، نظراً إلى أنها أوامر ربانية، والأوامر الربانية توجب الأسس الأخلاقية طاعتها، بوصف كونها طاعة لمن تجب طاعته، لا بوصف كون المطلوب بها ظاهرة لأساس خلقي. فحينما يأمرنا الله تعالى بعبادة خاصة على وجه مخصوص كصلاة ركعات معينة محددة بصفات خاصة وشروط خاصة، فليس من اللازم أن تكون هذه الصلاة بصفاتها الخاصة ظاهرة من ظواهر السلوك الأخلاقي، وذات صلة مباشرة بالأسس الأخلاقية العامة، إذ لله تعالى أن يختار لعبادته أي عمل من الأعمال، وعلى أي شكل من الأشكال، سواء أكان ذلك مما يتصل بالأسس الأخلاقية العامة أو لا يتصل بها. ومع ذلك نقول: إن الفضيلة الخلقية توجب القيام بهذه الطاعة من جهة أن الله أمر بها، إذ الفضيلة الخلقية توجب طاعة الله لأنه الخالق المنعم المالك.
ونظير هذا نقول في طاعة الوالدين وبرهما، وفي طاعة أولي الأمر من المسلمين المؤمنين، وهكذا.
أما قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: ((وخياركم خياركم لنسائهم)) (?). فيكشف الرسول صلى الله عليه وسلم فيه أدق الموازين والكواشف التي تكشف عن حقيقة خلق الإنسان، فأحسن الناس خلقاً في معاملة ومعاشرة النساء هم أحسنهم خلقاً، فهم بسبب ذلك خيارهم، لأن خير الناس هم أحسنهم خلقاً.
ومن المعروف أن الإنسان قادر على أن يتصنع التظاهر بمكارم الأخلاق وفضائل السلوك إلى فترة معينة، ومع بعض الناس، أما أن يتصنع ذلك في كل الأوقات ومع كل الناس فذلك من غير الممكن ما لم يكن فعلا ذا خلق كريم.
والمحك الذي يمتحن فيه الإنسان امتحاناً صحيحاً ودقيقاً لمعرفة حقيقة خلقه الثابت، هو المجتمع الذي يكون له عليه سلطة ما، وله معه معاشرة دائمة، ومعاملة مادية وأدبية.
فإرادة التصنع تضعف حينما يشعر الإنسان بأن له سلطة ونفوذاً، ثم تشتد ضعفاً حينما تطول معاشرته لمن له عليه سلطة، ثم تتلاشى هذه الإرادة حينما تتدخل المعاملة المادية والأدبية، فإذا ظل الإنسان محافظاً على كماله الخلقي في مجتمع له عليه سلطة، وله معه معاشرة دائمة، ومعاملة مادية وأدبية، فذلك هو من خيار الناس أخلاقاً.
وأبرز أمثلة هذا المجتمع الذي تتوافر فيه هذه الشروط هو مجتمع أسرة الإنسان، وماله من سلطان فيه على نسائه، وهن الضعيفات بالنسبة إليه. يضاف إلى ذلك أن النساء قد تبدو منهن تصرفات أو مطالب تخرج الحليم عن حلمه، والرصين عن رصانته، والسمح عن سماحته، والصدوق عن التزام الصدق، فإذا ثبت الإنسان على خلقه الفاضل رغم وطأة محرجاتهن التي يتبعن فيها أهواءهن، فإنه من خيار الناس خلقاً.
وكم يظهر الإنسان أنه حسن الخلق، فإذا سافرت معه أو عاملته بالدرهم والدينار انكشف عن صاحب خلق سيء.
ثانياً: وروى الترمذي بإسناد صحيح عن أبي الدرداء، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء)) (?).