ضمن مجموعة الوسائل التي اعتمد عليها الإسلام في تقويم الأفراد وإصلاحهم، وإلزامهم بكمال السلوك وفضائل الأخلاق، اعتمد على المجتمع الإسلامي السوي، وذلك لما للمجتمع من سلطة معنوية فعالة ومؤثرة على نفوس الأفراد.
وترجع هذه السلطة المعنوية إلى أن الفرد جزء من المجتمع الذي يعيش فيه، وله من مجتمعه مصالح كثيرة مادية ونفسية.
وبما أن الإنسان كائن اجتماعي، ولا يستطيع أن يعيش عيشاً سوياً سليماً إلا ضمن مجتمع من الناس، كان ارتباطه بالمجتمع نابعاً من حاجته إليه، والحاجة لشيء ذي إرادة تجعل لهذا الشيء سلطاناً على من كان بحاجة إليه، إذ هو لا يحقق هذه الحاجة من نفسه ما لم يكن راضياً، عندئذ يسعى ذو الحاجة إلى تحقيق رضاه حتى ينال منه حاجته.
ومن الحاجات النفسية المرتبطة بالمجتمع حاجة الإنسان إلى التقدير، ولذلك يكدح كثير من الكادحين ليظفروا بتقدير الناس لهم وثنائهم عليهم، ويمنع كثير من الناس أنفسهم من شهوات ملحة، وأهواء يتطلعون إليها، مخافة أن ينظر الناس إليهم بازدراء واحتقار، أو مخافة أن يعاقبوهم بالهجر والقطيعة، أو بالتلويم والتثريب والمذمة، وما ذلك إلا من شعور الفرد بحاجته إلى التقدير، وبحاجته إلى المحافظة على كرامة نفسه بين الناس، وهذا هو الذي يجعل للمجتمع سلطاناً على أفراده.
يضاف إلى ذلك أسباب التأثير الجماعي على الفرد، ... وإذ اتخذ الإسلام – ضمن وسائله لإلزام الأفراد بالمنهج الأخلاقي الذي رسمه للناس – وسيلة الضغط الاجتماعي الذي يمارسه المجتمع الإسلامي، فقد عمل بالتربية الفردية النبوية وبالتربية الجماعية على تكوين المجتمع الإسلامي الأول، ثم جعل من هذا المجتمع رقيباً على أفراده، وحارساً ساهراً، ومحاسباً عادلاً، ومعاقباً بأنواع شتى من أنواع العقاب المعنوي، ومؤنباً، وناصحاً، وآمراً بالمعروف، وناهياً عن المنكر.
فمن شأن هذا المجتمع أن يملي على من ينشأ فيه، أو ينخرط فيه، فضائل الأخلاق، ومحاسن السلوك، بصفة عملية فعالة قاسرة ...