فالمرء مولع بمحاكاة من حوله، شديد التأثر بمن يصاحبه.
ومجالستهم تكسب المرء الصلاح والتقوى، والاستنكاف عنهم تنكب عن الصراط المستقيم.
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119].
وقال تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان: 63].
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء؛ كمثل صاحب المسك وكير الحداد: لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه، أو تجد ريحه، وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك، أو تجد منه ريحاً خبيثة)) (?).
قال أبو حاتم: (العاقل يلزم صحبة الأخيار، ويفارق صحبة الأشرار؛ لأن مودة الأخيار سريع اتصالها، بطيء انقطاعها، ومودة الأشرار سريع انقطاعها، بطيء اتصالها، وصحبة الأشرار سوء الظن بالأخيار، ومن خادن الأشرار، لم يسلم من الدخول في جملتهم، فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب؛ لئلا يكون مريباً، فكما أن صحبة الأخيار تورث الخير، كذلك صحبة الأشرار تورث الشر) (?).
قال الشاعر:
عليك بإخوان الثقات فإنهم ... قليل فصلهم دون من كنت تصحب
ونفسك أكرمها وصنها فإنها ... متى ما تجالس سفلة الناس تغضب
فالصداقة المتينة، والصحبة الصالحة، لا تحل في نفس إلا هذبت أخلاقها الذميمة. فإذا كان الأمر كذلك، فما أحرى بذلك اللب أن يبحث عن إخوان ثقات؛ حتى يعينوه على كل خير، ويقصروه عن كل شر.
قال ابن الجوزي: (ما رأيت أكثر أذى للمؤمن من مخالطة من لا يصلح، فإن الطبع يسرق؛ فإن لم يتشبه بهم ولم يسرق منهم، فتر عن عمله) (?).
قال الناظم:
أنت في الناس تقاس ... بالذي اخترت خليلا
فاصحب الأخيار تعلو ... وتنل ذكراً جميلا
قال العلماء: إنما سمي الصديق صديقاً لصدقه، والعدو عدواً لعدوه عليك.