قال حماد بن سلمة: باع رجل عبداً، وقال للمشتري: ما فيه عيب إلا النميمة قال رضيت فاشتراه، فمكث الغلام أياماً، ثم قال لزوجة مولاه إن سيدي لا يحبك، وهو يريد أن يتسرى عليك، فخذي الموس واحلقي من شعر قفاه عند نومه شعرات، حتى أسحره عليها فيحبك، ثم قال للزوج: إن امرأتك اتخذت خليلاً، وتريد أن تقتلك فتناوم لها حتى تعرف ذلك، فتناوم لها، فجاءت المرأة بالموس، فظن أنها تريد قتله، فقام إليها فقتلها، فجاء أهل المرأة فقتلوا الزوج، ووقع القتال بين القبيلتين (?).
- النميمة تقتل صاحبها:
قال صاحب بدائع السلك في طبائع الملك: (كان رجل يغشي بعض الملوك، فيقوم بحذاء الملك، ويقول: أحسن إلى المحسن بإحسانه، والمسيء ستكفيه مساوئه، فحسده رجل على ذلك المقام والكلام، فسعى به إلى الملك، فقال: إن هذا الذي يقوم بحذائك، ويقول ما يقول يزعم أن الملك أبخر، فقال له الملك: وكيف يصح ذلك عندي؟ قال: تدعو به إليك، فإذا دنا منك وضع يده على أنفه لئلا يشم ريح البخر، فقال له الملك: انصرف حتى أنظر، فخرج من عند الملك، فدعا الرجل إلى منزله، فأطعمه طعاماً فيه ثوم، فخرج الرجل من عنده، وقام بحذاء الملك، فقال: أحسن إلى المحسن بإحسانه، والمسيء ستكفيه مساوئه، فقال له الملك: ادن مني، فدنا منه، فوضع يده على فيه، مخافة أن يشتم الملك منه ريح الثوم، فقال الملك في نفسه: ما أرى فلاناً إلا وقد صدق، وكان الملك لا يكتب بخطه إلا جائزة أو صلة، فكتب له كتاباً بخطه إلى عامل من عماله: إذا أتاك حامل كتابي هذا، فاذبحه، واسلخه، واحش جلده تبنا، وابعث به إليّ، فأخذ الرجل الكتاب، وخرج، فلقيه الرجل الذي سعى به، فقال: ما هذا الكتاب؟ قال: خط الملك لي بصلة، فقال: هبه لي، فقال: هو لك، فأخذه، ومضى إلى العامل، فقال العامل: في كتابك: أن أذبحك، وأسلخك، قال: إن الكتاب ليس هو لي، الله الله في أمري حتى أرجع إلى الملك، فقال: ليس لكتاب الملك مراجعة، فذبحه، وسلخه، وحشا جلده تبناً، وبعث به، ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته، وقال مثل قوله، فعجب الملك وقال: ما فعل الكتاب؟ قال: لقيني فلان، فاستوهبني إياه، فوهبته له، فقال الملك: إنه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر، قال: ما فعلت، قال: فلم وضعت يدك على فيك؟ قال: كان أطعمني طعاماً فيه ثوم، فكرهت أن تشمه، قال: صدقت، ارجع إلى مكانك، فقد كفاك المسيء مساوئه) (?).
- خدمٌ في بريد الشيطان:
(سعى رجل بزياد الأعجم إلى سليمان بن عبد الملك، فجمع بينهما للموافقة، فأقبل زياد على الرجل وقال:
فأنت امرؤ إما ائتمنتك خالياً ... فخنت وإما قلت قولاً بلا علم
فأنت من الأمر الذي كان بيننا ... بمنزلة بين الخيانة والإثم
وقال رجل لعمرو بن عبيد إن الأسواري ما يزال يذكرك في قصصه بشر فقال له عمرو يا هذا ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه ولا أديت حقي حين أعلمتني عن أخي ما أكره ولكن أعلمه أن الموت يعمنا والقبر يضمنا والقيامة تجمعنا والله تعالى يحكم بيننا وهو خير الحاكمين.
ورفع بعض السعاة إلى الصاحب بن عباد رقعة نبه فيها على مال يتيم يحمله على أخذه لكثرته فوقع على ظهرها السعاية قبيحة وإن كانت صحيحة فإن كنت أجريتها مجرى النصح فخسرانك فيها أفضل من الربح ومعاذ الله أن نقبل مهتوكاً في مستور ولولا أنك في خفارة شيبتك لقابلناك بما يقتضيه فعلك في مثلك فتوق يا ملعون العيب فإن الله أعلم بالغيب الميت رحمه الله واليتيم جبره الله والمال ثمره الله والساعي لعنه الله) (?).
بمثل هذا الأسلوب السامي نقف في وجوه هؤلاء الذين اعتادوا على نقل الكلام، ونشر ما يقال في المجالس، ونحد من نشاطهم، ونقطع الطريق عليهم.
- وصية:
(قال لقمان لابنه يا بني أوصيك بخلال إن تمسكت بهن لم تزل سيداً ابسط خلقك للقريب والبعيد وأمسك جهلك عن الكريم واللئيم واحفظ إخوانك وصل أقاربك وآمنهم من قبول قول ساع أو سماع باغ يريد فسادك ويروم خداعك وليكن إخوانك من إذا فارقتهم وفارقوك لم تعبهم ولم يعيبوك) (?).
- فائدة:
قال بعض العلماء: يُفسدُ النمام في ساعة ما لا يفسد الساحر في شهر، ولترغيب الشارع في الإصلاح بين الناس أباح الكذب فيه، ولزجره على الإفساد حرم الصدق فيه (?).