فسكت فتكلما، فقال: "تحلفون وتستحقون قاتلكم، أو صاحبكم"، قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال: "فتبرئكم يهود بخمسين"، فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار؟ فعقله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من عنده (?).
فهذا دليل على أن المدّعين إذا امتنعوا عن اليمين، ولم يقبلوا يمين المدعى عليهم، فإن الإمام يفديه من بيت مال المسلمين كما ثبت ذلك عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحديث.
• من خالف الإجماع: خالف هذا الإجماع المنقول المالكية، والشافعية، فذهبوا إلى أنه لا يلزمهم شيء، حيث إن المدعين لم يرضوا بأيمانهم، ولم يحلفوا هم، وأن ما فدى به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الأنصاري إنما وداه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قطعا للنزاع وإصلاحا لذات البين؛ فإن أهل القتيل لا يستحقون إلا أن يحلفوا أو يستحلفوا المدعى عليهم، وقد امتنعوا من الأمرين وهم مكسورون بقتل صاحبهم، فأراد -صلى اللَّه عليه وسلم- جبرهم وقطع المنازعة وإصلاح ذات البين بدفع ديته من عنده (?).
ججج عدم صحة الإجماع في المسألة، وذلك لوجود المخالف، والذي يظهر -والعلم عند اللَّه- أن مراد الشيخ ابن قاسم أنه لا نزاع في المذهب، فهو اتفاق مذهبي، ومما يؤيد ذلك ما نقله الإمام المرداوي في الإنصاف -وابن قاسم في حاشيته كثير الاستفادة منه- حيث قال: (قوله فإن لم يحلف المدعون، ولم يرضوا بيمين المدعى عليه فداه الإمام من بيت المال) بلا نزاع (?)، ومراده: بلا نزاع بين الأصحاب؛ إذ هو المراد بكتابه أصالة، واللَّه أعلم.