إن الحمد للَّه نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
• أما بعد:
إن نعم اللَّه على هذه الأمة تترى، وآلاءه لا تعد ولا تحصى، ومما فضلها اللَّه عز وجل به على سائر الأمم، أن جعل إجماع علمائها على أمر من أمور دينها معصوما من الخطأ والزلل؛ ليحفظ اللَّه به الدين، وتبقى هذه الملة ما بقيت السماوات والأرض، لا يضرها كيد الكائدين، ولا تحريف الضالين، ولا انتحال المبطلين (?).
ولا يخفى على أحد مكانة الإجماع، ومنزلته من الدين، فهو المصدر الثالث من مصادر التشريع، منه تؤخذ الأحكام، وبه يعمل الناس، وقد أشار إلى ذلك أئمة الهدى ممن سلف من هذه الأمة، وبيَّنوا عظم شأنه، وخطورة مخالفته، وضرورة معرفته، بل لا يبلغ المجتهد درجة الاجتهاد حتى يكون على دراية ومعرفة به، حتى يقيه من الوقوع في الزلل والشذوذ.
ومما يجلي الموضوع، ويوضح أهميته، أن من العلماء من جعل الإجماع مقدمًا على أخبار الآحاد لتطرق الاحتمال إليها من نسخ، أو تأويل، أو خطأ وأشباهها، وقد بيَّن ذلك أبو محمد بن قتيبة (?) حين قال: [ونحن نقول: إن الحق