• وجه الدلالة: حيث دلَّت هذه النصوص الأثرية على التوقيت في مقدار الجزية، وما روي عن عمر -رضي اللَّه عنه- لا يحتمل أن يكون رأيًا؛ لأن المقدرات سبيل معرفتها التوقيف والسماع، وقد بلغ أعلى توقيت منها أربعة دنانير من الذهب أو ما يُعادلها من الفضة، فمن أدَّى هذا القدر من الجزية قبل منه في قول سائر من قال بتوقيت مقدار الجزية (?).
• الخلاف في المسألة: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "نقد مراتب الإجماع" -بعد ما نقل كلام ابن حزم السابق مبينًا أن المسألة مختلف فيها لا مجمعٌ عليها-: (قلت: للعلماء في الجزية هل هي مقدَّرةٌ بالشرع أو باجتهاد الإمام أن يزيد على أربعة دنانير؟ وهذه إحدى الروايتين عن أحمد، هي مذهب عطاء والثوري ومحمد بن الحسن وأبي عبيد وغيرهم) (?).
قد خالف في هذه المسألة بعض العلماء فقالوا: إن الجزية ليس لها مقدارٌ مؤقت شرعًا، بل إن مرجعها إلى الإمام، فله أن يزيد وينقص على قدر ما يراه، وهو قول عطاء ابن أبي رباح، والثوري، وأبي عبيد، ويحيى بن آدم، وقول لمالك (?)، والصحيح في مذهب الحنابلة (?)، قال الخلال: وهو الذي عليه العمل (?)، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية (?).
واستدلوا لذلك بما يأتي:
بقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. فلفظ الجزية في الآية مطلق غير مقيد بقليل أو كثير، فينبغي أن يبقى على إطلاقه، غير أن الإمام لما كان ولي أمر المسلمين جاز له أن يعقد مع أهل الذمة عقدًا على الجزية بما يحقق مصلحة