يقول شيخ الإسلام: (وهذا من العلم العام بين أهل المعرفة بسيرة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يخفى على أحد منهم أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان قبل الهجرة وبعيدها ممنوعًا عن الابتداء بالقتل والقتال) (?).

• مستند الإجماع:

1 - قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)} [الحجر: 94]، وقوله تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85].

• وجه الدلالة: حيث دلَّت الآيتان أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يؤمر في مكة قبل الهجرة إلى المدينة بقتال الكفار، وإنما كان مأمورًا مدة إقامته بمكة بالصفح والإعراض عن المشركين (?).

2 - وقوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)} [الحج: 39].

• ووجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه وتعالى صرَّح بالإذن بالقتال، بمعنى: أباحه وأجازه؛ (لأن هذا هو معنى الإذن الشرعي) (?)، فدلَّ ذلك أنه كان قبل ذلك غير مأذون فيه، وغير مباح، وهذا معنى التحريم (?).

قال ابن العربي: (فلما عتت قريش على اللَّه، وردوا أمره وكرامته، وكذبوا نبيه، وعذبوا من آمن به وعبده ووحده، وصدق نبيه، واعتصم بدينه، أذن اللَّه لرسوله في القتال والامتناع والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم؛ فكانت أول آية أنزلت في إذنه له بالحرب وإحلاله له الدماء: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} (?).

3 - ما ورد في سبب نزول قول اللَّه تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ} [النساء: 77].

فقد نزلت هذه الآية في نفر من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منهم عبد الرحمن بن عوف، والمقداد بن الأسود، وقدامة بن مظعون، وسعد بن أبي وقاص كانوا يلقون من المشركين أذىً كثيرًا ويقولون: يا رسول اللَّه، ائذن لنا في قتال هؤلاء، فيقول لهم:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015