ومن أظهر الأجوبة عما وقع في فتح مكة: أن مكة ليست كغيرها من البلاد؛ لأنها حرام بحرمة اللَّه من يوم خلق السموات والأرض إلى يوم القيامة، وإنما أحلت له -صلى اللَّه عليه وسلم- ساعة من نهار، ولم تحل لأحد قبله ولا بعده، وما كان بهذه المثابة فليس كغيره من البلاد التي ليست لها هذه الحرمة العظيمة.
وأما ما وقع في قصة حنين فالجواب عنه ظاهر، وهو أن النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استطاب نفوس الغزاة عن الغنيمة؛ ليؤلف بها قلوب المؤلفة قلوبهم؛ لأجل المصلحة العامة للإسلام والمسلمين (?).
كما اختلف الفقهاء في حكم المغنم من الأراضي، فقال البعض: يخير الإمام بين قسمتها كما يفعل بالذهب والفضة ولا خراج عليها، بل هي أرض عشر مملوكة للغانمين، وبين وقفها للمسلمين بصيغة، وقيل: بغير صيغة، ويدخل في ذلك تركها للمسلمين بخراج مستمر يؤخذ ممن تقر بيده، وهذا التخيير هو مذهب أبي حنيفة والثوري والإمام أحمد. واستدلوا بإجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- فإن سيدنا عمر رضي اللَّه عنه لما فتح سواد العراق ترك الأرضي في أيديهم وضرب على رؤوسهم الجزية على أراضيهم الخراج بمحضر من الصحابة الكرام رضي اللَّه عنهم ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر فكان ذلك إجماعًا منهم (?).
وأما مالك -رحمه اللَّه- فذهب إلى أنها تصير وقفًا للمسلمين بمجرد الاستيلاء عليها. مستدلًا بما روي: "أن عمر بن الخطاب كتب إلى سعد بن أبي وقاص يوم افتتح العراق أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر أن الناس قد سألوك أن تقسم بينهم مغانمهم وما أفاء اللَّه عليهم، فإذا أتاك كتابي هذا فانظر ما أجلب الناس عليك إلى العسكر من كراع أو مال، فاقسمه بين من حضر من المسلمين واترك الأرضين والأنهار لعمالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين فإنك لو قسمتها بين من حضر لم يكن لمن بقي بعدهم شيء".