الكافة تسليم إيمان واعتقاد وهو غير مسلم؛ لأن الوازع قد يكون بسطوة الملك وقهر أهل الشوكة ولو لم يكن شرع، كما في أمم المجوس وغيرهم ممن ليس له كتاب أو لم تبلغه الدعوة، أو نقول: يكفي في رفع التنازع معرفة كل واحد بتحريم الظلم عليه بحكم العقل، فادعاؤهم أن ارتفاع التنازع إنما يكون بوجود الشرع هناك، ونصب الإمام هنا غير صحيح، بل كما يكون بنصب الإمام يكون بوجود الرؤساء أهل الشوكة أو بامتناع الناس عن التنازع والتظالم، فلا ينهض دليلهم العقلي المبني على هذه المقدمة؛ فدل على أن مدرك وجوبه إنما هو بالشرع وهو الإجماع (?).

قال الماوردي (?): "بل وجبت -أي: الإمامة- بالشرع دون العقل؛ لأن الإمام يقوم بأمور شرعية قد كان مجوزًا في العقل أن لا يرد التعبد بها، فلم يكن العقل موجبًا لها، وإنما أوجب العقل أن يمنع كل واحد نفسه من العقلاء عن التظالم والتقاطع، ويأخذ بمقتضى العدل في التناصف والتواصل، فيتدبر بعقله لا بعقل غيره، ولكن جاء الشرع بتفويض الأمور إلى وليه في الدين، قال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (?)، ففرض علينا طاعة أولي الأمر فينا، وهم الأئمة المتأمرون علينا.

وروى هشام بن عروة عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سَيَلِيَكُمْ بَعْدِي وُلَاةٌ، فَيَلِيَكُمُ البَرُّ بِبِرِّهِ، وَيَلِيَكُمُ الفَاجِرُ بِفِجُورِهِ، فَاسمَعُوا لَهُم وَأَطِيعُوا في كُلِّ مَا وَافَقَ الحَقَّ، فَإِنْ أَحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَسَاؤوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ" (?) ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015