فسير كتيبة من خمسمائة فارس إلى قلعة "زغوان" -على مسيرة يوم من القيروان- فتم فتحها، ودخل القيوان من سبيها عشرة آلاف. هذا، في الوقت الذي أرسل فيه "موسى" أبناءه على رأس مجموعات من الجند لإخضاع المناطق المحيطة بالقيروان، وقد نجحوا في تحقيق ما خرجوا من أجله، وكان الهدف من الحملات تأمين الخطوط الخلفية إذا ما خرج "موسى" للجهاد في المغربين: الأوسط والأقصى1.
توجه موسى -بعد ذلك- إلى المغرب الأوسط لتوطيد أقدام الفتح فيه، إكمالا لما قام به حسان بن النعمان، وقد "رأى أن البربر قد طمعوا في البلاد" -كما يقول ابن خلدون2- حيث بدأت بعض العناصر البربرية من المهيمنين على هذا الإقليم في التحرك، وهم من قبائل "زناتة" و"هوارة" و"كتامة"، يقودهم رجل يدعوى "طامون. وكان على موسى -لكي يتهيأ له السيطرة التامة على المغرب الأوسط- أن يقضي على قوة هذا الرجل مثلما سبق لحسان أن قضى على الكاهنة من قبل. وبالفعل تمكن موسى به القضاء عليه، وأرسله إلى مصر حيث قتل هنالك3.
وقد ظهرت آثار هذا النصر سريعا، فبدأت القبائل -وعلى رأسها "كتامة"- في طلب الأمان، وإرسال الرهائن، دليلا على الدخول في الطاعة وصدق النوايا4.
وبذلك تمكن موسى من السيطرة على المغرب الأوسط، وبقي عليه أن ينطلق إلى "المغرب الأقصى"، لقتال القبائل التي ما زالت خارج سيطرة المسلمين. ويبدو أن أخبار موسى وانتصاراته قد وصلت إلى سكان هذا الإقليم فعرفوا أنهم لا طاقة لهم به، فهربوا أمامه، وسهل عليه فتح الإقليم بسرعة واضحة، فمال إلى المدن الكبرى ومواطن التجمعات البربرية، فافتتح "درعة" وصحراء "تافيلالت" في "السوس الأقصى" -أو سجلماسة- وسيطر على قبائل "صنهاجة" و"المصامدة"، وأخضعها كلها للإسلام، فدخول فيه طوعا، وولى عليهم واليا5.