ويدل اختيارها قاعدة للملك -أيضا- على أن "جرجير" استشعر بخطر المسلمين بعد أخذهم "طرابلس" و"سبرت". ثم إنه كان يعول على نصر البربر وعونهم، فأحب أن يتحرر فيهم، ويستعين بهم، ففضل اللجوء إلى الداخل، والتحصن في "سيبطلة"1.

وصل عبد الله بن سعد بن أبي سرح بجيشه -إلى برقةن فلقيه عندها عقبة بن نافع الفهري، فيمن كان معه من المسلمين، فانضم إليه. ثم تحرك إلى طرابلس -وكانت قد خرجت عن طاعة المسلمين بعد فتحها الأول -فوجد أهلها قد امتنعوا خلف أسوارها. فلبث على حصارها أياما، فخاف أن يطول الحصار وهو يريد الإسراع إلى "جرجير" في سبيطلة، فأمر الناس بالرحل كسبا للوقت، وكذلك فعل حين وصل إلى "قابس"، وجد أهلها متحصنين، فانصرف عنها، إذ أشار عليه الصحابة أن لا يشتغل بها عن هدفه الأساسي، وهو فتح إفريقية" والقضاء على التجمع البيزنطي في "سببيطلة"، فواصل المسير إلى أن حط رحاله في إقليم "قمونية" في سهل تونس -غير بعيد من سبيطلة- ريثما يستريح الجند، وليأخذوا في الاستعداد للمعركة الفاصلة. وفي هذه الأثناء أخذ ابن أبي سريح يرسل السرايا، تستكشف البلاد في كل الجهات، وتأتي بالمؤن والعلف2.

وقد كان باستطاعة "جريجوريوس" أن يقف للمسلمين عند "قابس" ويسد عليهم الطريق الضيق الذي يؤدي من "طرابلس" إلى "إفريقية" بين "قابس" و"شط الجريد"، وهو أشبه بعنق الزجاجة -كما يقول العسكريون- لكنه فضل الانتظار في سهل متسع يسمى "عقوبة"، على أميال من "سبيطلة". وأغلب الظن أن هذا الموضع لم يكن مجرد سهل، وإنما كان أحد الحصون الكثيرة التي كانت تحيط بسبيطلة3. وعنده دار المعركة بين المسلمين والبيزنطيين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015