وفي الطريق إلى هذا الحصار استولى المسلمون على "أزمير"، واحتلوا ساحل "ليكيا"، وخرج الأسطول الإسلامي من جزيرة "أرواد" بقيادة "جنادة بن أبي أمية الأزدي"، وأحكم المسلمون حصار "القسطنطينية" برا وبحرا، من "إبريل" إلى "سبتمبر"، ثم ارتدوا عنها مع قدوم الشتاء إلى جزيرة "أرواد" "كزيكوس"، ثم عادوا إلى الحصار في الصيف التالي، ليرتدوا في الشتاء مرة أخرى، واستمر الأمر على هذا الحال، يحاصرون صيفا، ويرتدون شتاء، حتى "عام 60هـ/ 679م" عندما قرر معاوية بصفة نهائية الانسحاب، وعقد معاهدة صلح مع إمبراطور الروم: قسطنطين الرابع، مدتها ثلاثون عام.
وقد فقد المسلمون في هذا الحصار العديد من القادة، وثلاثين ألف مقاتل، ومعظم سفن الأسطول، وكان من أسباب الفشل: الإنهاك الذي تعرض له الجيش الأموي طول سنوات الحصار، كما أنهم فوجئوا بسلاح لم يكن لهم به عهد ولا طاقة لهم بمكافحته ودفع خطره، وهذا السلاح، عرف باسم "النار الإغريقية"، استخدمته البيزنطيون كوسيلة دفاعية تسببت في حرق عدد كبير من قطع الأسطول الإسلامي، وقد بث الذعر في نفوس المحاصرين للمدينة. وكانت هذه النار تتركب من النفط والكبريت والغاز، وتزداد اشتعالا عند ملامستها للماء، ولا يخمد نارها إلا باستخدام الرمل والخل. وقد كان لهذه النار أثر حاسم في صد المسلمين عن "القسطنطينية"، فاضطروا إلى رفع الحصار وعقد معاهدة الصلح مع البيزنطيون1.