أرسلها معاوية بن أبي سفيان برا، فاخترقت آسيا الصغرى وافتتحت حصونا كثيرة في الأناضول حتى وصلت إلى سواحل "بحر مرمرة"، ثم بعث معاوية ابنه "يزيد" مددا لسفيان بن عوف وجعله أميرا شرفيا على الحملة، ومعه نفر من أبناء الصحابة، مثل عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وأبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنهم. وقد اشتبك المسلمون مع الروم في القتال، واستشهد الكثير من الصحابة، منهم أبو أيوب الأنصاري الذي دفن بالقرب من مدينة "بروسة". وقد حال الشتاء القارس وصعوبة الإمدادات البشرية والتموينية -لبعد المسافة وضعف وسائل النقل في ذلك الوقت- ثم نقص الأطعمة والأغذيةن وتفشي الأمراض بين الجند، ومناعة "القسطنطينية" -حال ذلك كله دون فتح المدينة. ولقد حاول المسلمون عبثا اختراق أسوارها بعد حصارها، إلا أنهم فشلوا في ذلكن فعادوا دون خسائر كبيرة "عام 50هـ"1.
وقد تنبأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه الغزوة، ووعد أهلها المغفرة، فقال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري عن أم حرام بنت ملحان: "أول جيش من أمتي يركبون البحر قد أوجبوا، وأول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم".
وكان الدرس الهام الذي خرج به معاوية من هذه الحملة هو ضرورة تدعيم القوات البرية التي تغزو "القسطنطينية" بقوات بحرية ضخمة، حيث تحيط المياه بالمدينة من ثلاث جهات، وعكف على تجهيز هذا الأسطول مدة اربع سنوات استطاع خلالها تدريبه عمليا باسترداد جزيرة "رودس" "عام 52هـ/ 672م" -وكان الروم قد استردوها أثناء فترة خلافة عثمان -رضي الله عنهم- ثم جزيرة "كزيكوس" "وهي جزيرة أرواد" "عام 54هـ/ 674م"، والتي سيجعل منها المسلمون مقرا لإدارة الحصار الثاني للقسطنطينية، والذي بدأ "عام 54هـ"2.