منهما سكان حدودهما إلى داخل البلاد، وترك حصونهما مقفرة، ومنازلهما خالية من العمران.

ولقد لقي المسلمون متاعب جمة وصعاب كبيرة في حملاتهم الألى التي قاموا بها عبر هذه الجهات الجبلية التي تفصل شمال الشام عن آسيا الصغرى، إذ كان عليهم اجتياز بعض الدروب والممرات الجبلية وجبال "طوروس" لمهاجمة البيزنطيين. ولم يلبث المسلمون أن عملوا على تلاقي هذه الأخطار بترك حاميات عسكرية عند الثغرات الجبلية التي ينفذون منها، ثم تطور الأمر إلى اهتمامهم بتحصين المدن التي تتحكم في هذه الممرات، بإعادة بناء الحصون المخربة التي درمها البيزنطيون أثناء تقهقرهم، وبناء حصون جديدة، ومن هنا انتشرت سلسلة من الحصون في المنطقة الإسلامية الملاصقة للدروب والممرات التي ينفذ منها البيزنطيون من جبال طوروس لمهاجمة شمال الشام، وعرفت هذه المنطقة باسم "الثغور"، على حين أطلق اسم "العواصم" على سلسلة الحصون الخلفية لمنطقة الثغور. ولم تلبث هذه المناطق أن اتسعت، واهتم معاوية وقادته بتعميرها وتحصينها، وتشجيع المسلمين على الإقامة فيها، وإرساء نظم عسكرية وإدارية فعالة مكنتها من القيام بوظيفتها على أكمل وجه1، ألا وهي: الهجوم على الدولة البيزنطية ذاتها، وفي عقر دارها.

وقد عرفت الغزوات التي كانت تخرج من منطقة الثغور والقلاع لمهاجمة أراضي البيزنطيين باسم "الصوافي والشواتي"، حيث كانت الغزوات الإسلامية تقوم صيفا وشتاء، وتتوغل في بلاد الروم، ثم تعود إلى قواعدها مرة أخرى بعد الانتهاء من مهمتها. واستهدفت إنهاك قوة الوم وشغلهم في ديارهم بسلسلة لا تنقطع من الحملات، صيفا وشتاء، برا وبحرا، وكانت تهدف -في الوقت نفسه- إلى إيجاد ميدان يتدرب فيه الجند الإسلامي على أساليب القتال والقيادة، وتخريج جيل جديد من المحاربين والقادة العسكرين، وإعدادهم للقيام بمشاريع الفتوحات الكبرى فيما بعد2، ولا تكاد سنة من سني خلافة معاوية "41-60هـ" تخلو من صائفة أو شاتية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015