إنما يستدعي السيطرة على المناطق المجاورة له من الشمال والشمال الشرقي "أرمينية"، والجنوب الغربي "مصر"، والمناطق الغربية "جزر البحر المتوسط الشرقية"، ثم إن تأمين فتوحات مصر استدعى فتح إفريقية "تونس"، وهذا بدوره تطلب فتح المغرب الأوسط "الجزائر"، ثم المغرب الأقصى، ثم عبور المضيق إلى شبه الجزيرة الإيبيرية "إسبانيا". وبهذا أصبح المسلمون في مواجهة القوى غير الإسلامية "الأوروبية" في الغرب بالقدر نفسه الذي واجهوا به الدولة البيزنطية في الشرق. فعلى هدي الظروف الجغرافية -إذن- كانت تسير الفتوحات الأموية برا من أجل رفع راية الإسلام1.

ولم يختلف الأمر في البحر عنه في البر؛ فبعد غزو جزيرة "قبرص" في البحر المتوسط الشرقي أيقن الأمويون ضرورة عدم التوقف عن هذا الحد، فمواصلة الاستيلاء على الجزر التابعة للروم في شرق هذا البحر كان حتمية وفقا لسياسة الأمويين الخارجية؛ فشرق البحر المتوسط تنتشر فيه الجزر التي تقسمه إلى بحار داخلية صغيرة، يتصل بعضها ببعض عن طريق مضايق وفتحات صغيرة، وتتحكم في مداخلها أطراف تلك الجزر، فكانت هذه المضايق أشبه أعناق الزجاجات تكفل للمسيطر عليها السيادة على ما يليها من بحار داخلية وما يطل على هذه البحار من أراض وبلاد، ومن ثم سار الأمويون في استيلائهم على هذه الجزر وفق خطة منطقية محددة بدقة، تهدف إلى تأمين سلامة الفتوحات الإسلامية في البر عن طريق الاستيلاء على الجزر القريبة المجاورة مباشرة لتلك الأراضي المفتوحة، ثم متابعة الاستيلاء على غيرها من الجزر التي تتحكم في أكبر عدد من المضايق البحرية، وذلك لسد كل المنافذ والطرق أمام الأساطيل البيزنطية إذا ما رغبت في مهاجمة الأراضي المفتوحة من جهة البحر2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015