...
سياسة معاوية بن أبي سيان البحرية في مواجهة الروم:
تولى معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- أمر الدولة الأموية صبيحة تأسيسها، وكان واليا على الشام لأكثر من عشرين سنة متصلة في زمن خلافة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان -رضي الله عنهما- على التوالي. وقد وقع عليه -في أكثر الوقت- العبء الأكبر في مجابهة الخطر البيزنطي على إقليم الشام برا وبحرا. وكان لخبرته القتالية الطويلة مع الروم أثر واضح في تشكيل رؤية -أو "استراتيجية"- للتعامل معهم، وفي توجيه قناعته بطبيعة السياسة الملائمة لهذا التعامل. وكانت المواجهة القتالية المستمرة مع الروم البيظنطيين هي الأسلوب الذي ارتآه أنسب للتعامل معهم، وكان توليه خلافة المسلمين هي الفرصة المناسبة التي ساعدته على تحوي لتلك القناعة الشخصية إلى "سياسة دولة"، وتوافرت -إلى ذلك- مجموعة من العوامل الداخلية الإيجابية أدت إلى إنجاح هذه السياسة، أهمها وجود جيش قوي، ولاؤه الأول والأخير للخليفة، وموارد اقتصادية هائلة تدرها الأمصارن وقرب عهد بالإسلام وفر أعداد هائلة من المتطوعين المؤمنين بهذه السياسة بوصفها رسالة إيمانية1.
وبعد أن أمن معاوية الجبهة الداخلية للدولة الإسلامية باتباع مجموعة من الخطوات -أهمها حل المشاكل التي خلفتها أعوام متتالية من الفتن والحروب بعد مقتل الخليفة الشهيد عثمان -رضي الله عنه، وإزالة التناحر القبلي بين عرب الشام وعرب الجنوب وفق ميزان عدل لا يميل إلى أحد الطرفين على حساب الآخر. وبعد أن نقل عاصمة الخلاصة إلى دمشق الشام موطن شيعته ومناصريه، ولتكون قريبة من ميدان الصراع مع البيزنطيين، إضافة إلى اهتمامه الكبير بتأسيس جيش قوي ليكون عدته في تنفيذ مشاريعه الحربية، وجعل قوامه الأساسي من جند الشام الموالين له، واختار مجموعة من خيرة القادة العسكريين لقيادته -نقول: بعد أن نجع في تحقيق ذلك كله عمد إلى رسم الخطوط العريضة لسياسات التعامل الخارجي للدولة الأموية، والتي استمرت منهاجا لها حتى زالت سنة "132هـ".
ولعل المعلم الرئيس لسياسة التعامل الخارجي للدولة الأموية يتلخص في عبارة واحدة، هي "الهجوم خير وسيلة للدفاع، والعمل المستمر على توسيع الدولة وضم مناطق جديدة إليها". وهذه السياسة يمكن أن نطلق عليها اسم "سياسة تداعي الفتوحات"، فمثلا: نجد أن الدولة الأموية قد آمنت بأن تأمين فتوحات الشام