ولابد أن النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد أجمع العزم على إخراج أعدائه بعد أن أدرك ما بلغه موقفه من القوة والثبات بعد وقعة بدر، وإذ كان بنو قينقاع يعيشون فى المدينة ذاتها فقد كانوا أول طائفة تتطلع للتخلص منها، وعلى ضوء هذا الرأى يمكن تفسير هجومه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على بنى قينقاع ذلك الهجوم الذى وقع على الأرجح فى مستهل شوال من السنة الثانية للهجرة (= أبريل 624 م)، وإن ما يسوقه الكتاب المسلمون من أسباب معينة للهجوم إنما هى أدخل فى باب الأخبار، وضمن ما قيل إن بنى قينقاع سلكوا سلوكا مستهجنا، كما يقال إن ما ورد فى سورة آل عمران الآية 12 فى قوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} إنما فيه إشارة إلى هذه الأحداث. ونستفيد من الواقدى وابن سعد أن الآية 58، 59 من سورة الأنفال تشير إلى هذا الموضوع فى قوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ} كما أن الآية الثالثة عشرة من آل عمران {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} إنما تشير إلى نصر المسلمين ببدر لتكون لهم عبرة وتحذيرا، كما أن الآية الثامنة والخمسين من الأنفال (الواردة أعلاه) تتكلم عن الثأر من قوم يخشى غدرهم وخيانتهم.

أقام المسلمون على حصار بنى قينقاع أربعة عشر يوما استسلم بعدها بنو قينقاع دون أن يضربوا ضربة واحدة، وقيد الرجال إذ خافوا أن يقع بهم ما أشد وأنكى من ذلك، ولقد كان للتدخل الكبير من جانب عبد اللَّه بن أبىّ (كبير الخزرج وقائد المنافقين) من أجل بنى قينقاع أثر فى تحسين مصيرهم، واكتفى فى هذا الموقف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015