هل من الضرورى -كما اقترح البعض- التسليم بوجود فارق جذرى أو انشقاق بين فكر مؤسس المذهب والمذهب الذى أطلق عليه اسمه؟ . من الثابت أن الأشعرى فى "الإبانة" يستهل استعراضه لمذهبه بالاعلان عن امتثاله لتعاليم "ابن حنبل"، ومن الثابت أنه بالرغم من كون إعلان الإيمان هذا -الذى أضحى أمرًا تقليديا فى اطار ذلك المذهب- وجد له بعض المبررات فى "اللمع"، إلا أنها تختلف اختلافا جوهريا عن المبررات التى أبديت فى "الإبانة" و"المقالات". ومع ذلك فالامتثال الذى أعلنه الأشعرى لتعاليم ابن حنبل لم يَجُزْ على الحنابلة الذين هاجموا بشدة مبدأ "الدفاع عن العقيدة باتباع أساليب الجدل العقلانى" فى حد ذاته. وبالإضافة إلى ذلك فإن الكثير من المسائل التى نوقشت فى "اللمع" كان يتعين عليها انتظار الشرح بمعرفة مريدين متأخرين تأثروا بدورهم بأحوال تاريخية جديدة وعلى ذلك فليس هناك مذهبان للأشعرية -واحد للمؤسس وواحد للتابعية- بل هناك فى الأصل موقف عام واحد تطور تدريجيا وتلون كثيرًا بتأثير المناقشات الدفاعية المتعاقبة.
وهذا الموقف العام تأكيد واضح على أن اللَّه هو القادر على كل شئ الذى لا تدركه الأبصار والذى لا يُسأل عما يفعل.
واللَّه وفقا لأدق المعانى هو "الموجود الواحد والمهيمن الأحد"، وهو لا يأمر بفعل ما لمجرد أن ذلك الفعل خير وصواب؛ بل إن أمره هو الذى يجعل ذلك الفعل خيرا وصوابًا. فاللَّه خالق أفعال الإنسان، والإنسان ليس سوى متلق ممتثل أو هو "محل" لأمر اللَّه. لكن اللَّه أيضا يوعز للإنسان بأفعاله (نظرية الكسب أو الاكتساب) وفى هذا مسوغ لكل من "مسئولية الإنسان" و"المقدرة على التمييز" التى أشار إليها القرآن الكريم وكل ما يذكره القرآن الكريم حق؛ فالآيات المتشابهات حق مطلق فيما يختص بتأكيدها على وجود اللَّه، أما ما تشير إليه من صفات التجسيم فينبغى التسليم به "بلا كيف". . أى بدون السؤال عن الكيفية. وبالرجوع إلى مواقف الحنابلة والمناهضة للمعتزلة