نظرية "الكسب" أو "الاكتساب" التى حددت وحَدَّت من امتلاك الإنسان للأفعال المخلوقة على هذا النحو. وهذه الإشارة إلى أهل الإثبات قد أتاحت للأشعرى تقديم نفسه باعتباره غير مجدد فى مجال علم الكلام.
كان انتعاش المذهب السنى فى عهد المتوكل وعلى مدى القرن الخامس هـ/ الحادى عشر الميلادى مصحوبا بتوجيه الاتهام إلى المعتزلة، وتوجيهه فى الوقت ذاته -على الأقل من جانب الحنابلة والظاهرية- إلى علم "الكلام"؛ والأمر الذى كان محل الريبة هو نفس المبدأ القاضى بإعمال الجدل المنطقى إنطلاقا من الحيثيات الإيمانية. وبرغم ذلك فعلم الكلام لم يواصل البقاء فقط؛ بل وجدد نفسه أيضا بفضل المنحى الجديد الذى وفَّره له "أبو الحسن الأشعرى" (260 - 324 هـ - 935 م) وهو معتزلى سابق يعد بحق مؤسس مذهب الأشعرية -ذلك المذهب الذى ظل المذهب الرسمى للكلام والأكثر قبولا فيما بين القرنين التاسع والعاشر الميلاديين (= الرابع الهجرى) - وقد بقى لنا عدد من أعماله (خصوصا "اللمع" و"الإبانة")، وما يزال مصنفه "مقالات الإسماعيليين" حتى اليوم معينا لا ينضب نستمد منه معلوماتنا عن النزعات والمذاهب المبكرة.
ومن المؤكد أنه ظهر فى إطار ذلك المذهب العديد من النزعات واتخذت المواقف المتباينة. . بل المتفارقة. ومن ذلك أن "الباقلانى" جلب إلى خدمة العقائد الأشعرية نظرية الأجزاء (أى النظرية الذرية atomism) التى كان "أبو الهذيل" أول من نادى بها، إلا أن "الجوينى" لم يتبعه البتة فى هذا المنحى بل تبنى من جديد مذهب "الأحوال" لأبى هاشم (والباقلانى) بعد أن تخلى عنه الغزالى. لكن وجهات النظر الأساسية التى استمدت منها المعتقدات الأساسية لذلك المذهب تبقى كما هى. وبالرغم من الفوارق المذهبية (الناجمة أساسا عن الأحداث التاريخية وتباين الخصوم الذين كان يتعين تفنيد آرائهم)، فإن من الجائز لنا الحديث عن مذهب أشعرى واحد أكثر ترابطا مما كانت عليه مذاهب الاعتزال.