وقد دعّم هذا الاتجاه الهيلينى تأسيس المأمون (198 - 221 هـ/ 813 - 833 م) لبيت الحكمة فى بغداد لترجمة الأعمال الفلسفية والعلمية اليونانية. لقد تجلت فى كتابات الجاحظ -إذن- العناصر الثقافية العربية واليونانية وامتد ذلك التأثير اليونانى ليشمل كل ضروب الأدب ولم يعد قصرا على الجاحظ دون سواه، ومما ساعد على ازدهار الآداب والعلوم استخدام المسلمين للورق الذى جلبوه من الشرق الأقصى فى النصف الثانى من القرن الثانى للهجرة. ولقد استطاع هذا الاتجاه الجديد أن يقهر التراث الساسانى للكتاب رغم محاولاتهم الدائمة للتمرد، تلك المحاولات التى لم تكن تخلو من روح شعوبية تهدف إلى تشويه العرب وثقافتهم.

وفى مواجهة هذه التيارات الهيلينية كان هناك تيار أصولى من المسلمين السنة من دارسى التوحيد والفقه رفضوا الاتجاهات العقلية للمعتزلة وفضلوا الانشغال بسنة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- والشريعة الإسلامية وقد شهدت هذه الفترة ظهور الكتب الستة التى جمعت الأحاديث الصحيحة للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وهى كتب البخارى ومسلم والترمذى وابن ماجه وأبو داود والنسائى، وبالنسبة للشيعة فإنهم يعتبرون الكتب الصحاح التى جمعت أحاديث الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- عددها أربعة أهمها ما جمعه الكُلَيْنى (توفى 328 هـ/ 939 م).

ورغم جهود أهل السنة وأتباع المذهب الظاهرى إلا أن هذا لم يمنع من أنه فى القرنين الثالث والرابع كان هناك أدب صوفى جديد فى حالة تطور، منذ عهد المحاسبى (عام 213 هـ/ 857 م) والجنيد (المتوفى 297 هـ/ 910 م).

بل وظهر الشعر الرمزى (الباطنى)، وشهدت الفترة رؤى ذى النون (توفى 245 هـ/ 859 م) وغيره.

وإذا تناولنا الشعر فى هذه الفترة فلابد من القول إنه لم يعد يحتل المكان الأول إذ سبقه النثر، ولا يعود ذلك لتخلى العرب عن حبهم للشعر وتفضيلهم له وإنما لأن هناك مجالات فكرية وعلمية جديدة لم يعد الشعر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015