وبينما هذه القبائل تحتل على التعاقب داخل البلاد، ظلت المنطقة المحاذية للساحل عدة قرون على اتصال تجارى وثيق ببلاد العرب. وهذه التجارة التى كانت قد بدأت مع المستعمرات التجارية فى جنوب المملكة العربية زادت رواجا على رواج فى العهد الإسلامى. ونشأ من هذا الفتح العربى دويلتان هما زيلع ومقدشو اللتان أقامهما وحكمهما بصفة عامة دول من الوطنيين أمراؤها من العرب الذين اصطبغوا بالصبغة الصومالية أو من الصوماليين الذين تأثروا بالثقافة العربية تأثرا كبيرًا. وقد تيسرت لمملكة زيلع التى ظلت تزدهر منذ القرن الرابع عشر الميلادى، أسباب الحياة والرخاء معتمدة على الاتجار مع داخل البلاد حيث عاونتها الدول الإسلامية الكبيرة فى جنوبى الحبشة بقيادة كران. على أن مقدشو لم تزدهر إلا فترة قصيرة فى القرن الرابع عشر الميلادى، ثم لم تلبث أن بدأت فى الاضمحلال، ذلك أن أهلها لم يستطيعوا أن يتغلبوا على مقاومة البدو الصوماليين الذين كانوا يسكنون فى داخل البلاد. وتقلبت على مقدشو معروف الدهر على اختلافها، ومع ذلك فقد استمرت محتفظة باستقلالها أيام دولة المظفر حتى القرن السادس عشر الميلادى. وفى القرن السابع عشر احتلها إمام عمان، وبعد سنوات قليلة ترك هذا الإمام الساحل جميعًا الذى يعرف ببنادر هو ومقدشو لسكانه، وإنما أصر على أن يعترفوا بسلطانه عليهم. ولما انقسمت دولة مسقط إلى سلطنة عمان وسلطنة زنجبار (وكان ذلك فى أوائل القرن التاسع عشر) جعلت مقدشو من نصيب زنجبار، وعندئذ حاول السلاطين أن يكون لهم ملك حق هناك بإقامة وال وحاميات من الجنود فى مقدشو ومركة وبراوة. وما إن مضت مدة قليلة فى حكم هذه البلدان (حوالى ستين عامًا) حتى باعتها زنجبار لإيطاليا.

ومهما يكن من شئ فإن القبائل الصومالية فى داخل البلاد قد نعمت باستقلالها التام عدة قرون. ولم تحتفظ الروايات الصومالية بذكرى الغزو الكالى الكبير فى الحبشة، الذى فصل فى القرن السادس عشر بين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015