ومهما يكن من أمر الرأى الذى يتجه فى الاتجاه الآخر ويدور حول مسألة جواز وفود السكان الحاميين من آسية إلى إفريقية، فإنه مما لا شك فيه أن الصوماليين قد نزلوا الأرض التى ينزلونها الآن جماعات شتى أقبلت فى غزوات متتالية، وتتابعت هذه الجماعات واحدة تدفع الأخرى، ولكنها كانت جميعا تخرج من الساحل الإفريقى لخليج عدن. ثم أقبل الدير بعد أن طردهم غزاة صوماليون آخرون، ومضى فريق منهم مخترقين أو غادين والإقليم الممتد بين نهرى جوب وشبيلا حتى بلغوا الوادى الأسفل لهذا النهر، وخرجت من أصلابهم قبيلة بيمال. وأقبل الساب من خليج عدن ويمموا أولا شطر وادى جوب، ثم هبطوا من الهضبة على طول وادى ويب ثم تقدموا منعطفين فجأة إلى الشرق فيما جاور مارلا وغزوا الأرض التى يقيمون فيها الآن محاربين قبيلة ورداى إحدى قبائل الكالا. ومن الساحل الشمالى الذى أسلفنا ذكره خرج الإيساق والدارود لغزو منازلهم الحالية بطرر الدير والكالا. ووفد الهوية من الأقطار الشمالية وتوقفوا أول الأمر شمالى ماريك، على حين أخضع إخوتهم الأجوران وادى شبيلا بعد أن غلبوا على الكالا والجدّو. على أن الهوية أنفسهم تقدموا من ثم إلى هذا النهر وفرقوا شمل الأجوران. ولذلك يمكننا أن نميز فى تاريخ استعمار الأراضى الصومالية حقبتين، الأولى: وتشمل الحروب التى شنت على الكالا، والثانية: الحروب التى دارت جماعات الصوماليين أنفسهم، فقد مضت كل جماعة تقاتل الأخرى فى سبيل غزو خير أراضى الصومال. على أن ثمة رواية مكتوبة (وقد استطعت أن أحصل على مخطوط عربى منها) على جانب عظيم من الأهمية تصف خبر الحرب التى شنت قبل الحروب التى جاء ذكرها فى الروايات الصومالية، ونعنى بهذه الحرب القتال الذى نشب بين غزاة الكالا والزنج (أى شعوب البانتو) الذين كانوا ينزلون حوض نهر جوب. ويمكن أن نخرج من ذلك بترتيب مستعمرى بلاد الصومال على الوجه الآتى: الزنوج (البانتو) ثم الكالا الكوشيين ثم الصوماليين الكوشيين.