وأصعب نقطة فى الأحكام التى تقدم ذكرها هى بلا شك مسألة العدالة، ذلك أنه لابد أن يكون الشهود معروفين للقاضى شخصيا بأنهم عدول، أو أن تثبت عدالتهم قبل أداء الشهادة. ومنذ أواخر القرن الثانى للهجرة (الثامن الميلادى) عين مساعد القاضى لاستقصاء أحوال الشهود، وهو استقصاء يكون شاقًا فى كثير من الأحيان، وهذا المساعد يسمى "صاحب المسائل" أو "المزكى" ثم إنه بالنظر إلى أن قانون التقاضى فى الإسلام لا يعترف بالوثائق المكتوبة على أنها أدلة ولا يقبل سوى شهادة الشهود بألسنتهم فإنه كان يفضل فى إثبات المسائل القانونية القوم الذين ثبتت عدالتهم من قبل. وهكذا ظهر الشهود الدائمون، وقد بلغ عددهم الألوف فى بعض الأحيان، لكنهم لم يكونوا فى الغالب إلا قليلين. وكانوا موظفين لدى القاضى، هو الذى يعينهم وهو الذى يعزلهم، وهكذا أيضًا ظهرت طائفة شهود العدالة الذين كانوا فى القاهرة وبغداد يسمون "الشهود" وكانوا فى المشرق وبلاد المغرب يسمون "العدول". وهم إلى جانب إثبات الدعاوى القانونية كانوا بأنفسهم يفصلون أيضا فى المنازعات الصغيرة. وكانوا فى الغالب محامين ناشئين يسند إليهم القضاء من بعد. وكان كثيرا ما يشكو الكتاب المسلمون من هؤلاء القوم. وكان بدء تطورهم فى القرن الثانى للهجرة، الموافق القرن الثامن الميلادى، (وأول شاهد على ذلك ظهر فى القاهرة عام 174 هـ: انظر كتاب الولاة والقضاة للكندى طبعة Guest ص 386) وانتهى أمرهم فى القرن الرابع للهجرة الموافق القرن العاشر الميلادى.

ويجوز للمرء أن يرى فى هؤلاء الشهود بحق عودة إلى شهود العدالة عند الرومان البوزنطيين. وفيما يتعلق بالأحوال الحاضرة انظر Lane: كتابه المذكور جـ 1، ص 117، uber Marokanische processpraxis: Vassei فى مجلة M.S.O.S. صلى الله عليه وسلمs، مجلد 5 (1902) ص 175.

المصادر:

(1) الفصول المتعلقة بهذه المادة فى كتب الحديث والفقه، خصوصًا: كتاب بدائع الصنائع للكاسانى، القاهرة 1910، وجـ 4 ص 226 - 190.

(2) Sommario del diritto malechito: Khalil، ترجمة عز وجل. Santillana، ميلانو 1919، جـ 2، ص 616 وما بعدها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015