ويتفق بطلميوس والمصادر العربية فيذكر لنا عهدًا أخذت فيه سبأ تضمحل شيئًا فشيئًا؛ أما الإشارات العارضة إلى سبأ التى وردت فيما ألفه أصحاب كتب تقويم البلدان الإغريق فى القرون الأولى للميلاد فليس لها قيمة فى ذاتها. ولا نجد لاسم سبأ ذكرا فى مؤلفات اليونان والرومان منذ نهاية القرن الرابع الميلادى، اللهم إلا إشارة واحدة عارضة قائمة بذاتها إلى بنى حمير الذين أخذ اسمهم يطلق بالتدريج على جنوب بلاد العرب بأسره.

وقد استطاع شبرنكر (المصدر المذكور، ص 246) , منذ نصف قرن فحسب، أن يقول إن الإغريق وبليناس هما المصدران الوحيدان اللذان زودانا بمعلومات عن سبأ. والحق أن معلوماتنا عن تاريخ جنوب بلاد العرب القديمة التى كنا إلى عهد قريب إنما نستطيع أن نضيف إليها القليل من الإشارات القائمة بذاتها فى العهد القديم وروايات العرب التى لا تشفى الغليل لافتقارها إلى السند التاريخى، قد ازدادت زيادة عظيمة بفضل ما وجدناه فى النقوش وخاصة فى جنوب بلاد العرب، كما أن التقدم المطرد فى دراسة تاريخ الشرق القديم قد ألقى ضوءًا جديدًا على تأريخ سبأ.

ومع ذلك فإن المستكشف كليزر (المصدر المذكور، ص 159)، الذى اشتهر بما كشفه من الكتابات القديمة، لا يتردد فى القول بأن التفسير الصحيح للروايات القليلة التى وردت فى المصنفات القديمة لا تقل حاجتنا إليه عن حاجتنا إلى تفسير نقوش سبأ؛ وهذه النقوش هى والفقرات التى وردت فى المصنفات القديمة يكمل ويفسر بعضها بعضًا. ومهما يكن من شئ فإنه يجب ألا نغض النظر عن مصادرنا الأخرى اعتمادا على ما للنقوش من أهمية حاسمة فى دراسة تاريخ السياسة والثقافة؛ وكونها مصدرنا التاريخى المباشر الوحيد، يجعلها أهم ما بين أيدينا من مادة لبحث ماضى سبأ وجنوب بلاد العرب بصفة عامة. ويقترن تاريخ فتح هذا الكنز العامر من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015