البلدان التى قيل إن غالوس خرّبها، يمكن أن نتثبت من وجودها بالرجوع إلى نقوش جنوب بلاد العرب، أو بالرجوع إلى الهمدانى، وهو أول مؤلف ذكرها بعد بليناس، أو من المصادر الجغرافية الأخرى. أما رواية بليناس القائمة على معلومات جديدة عن بلاد العرب مستقاة من غالوس، أو لعلها كانت تصل إلى رومة بطرق أخرى من حين إلى حين، فلها شأن تاريخى من حيث أنها تذكر قوما لم يتناولهم استرابون أو أغاثرخيدس. وقد غير هؤلاء القوم الأحوال السياسية فى سبأ تغييرا بقى على مر الأيام؛ وذكر بليناس (ولعله نقل ذلك عن جوبا Juba) جـ 6، ص 158، بنى حمير بعد بنى معين وبنى ردمان فى كلامه عن الشعوب العربية، ثم عاد فى ص 161 فاستشهد صراحة باستكشافات غالوس واعترف بأنها المصدر الذى استقى منه فى حديثه عن هذا العهد، واستلفت النظر بكلماته: mimerissimos esse Homeritas إلى حقيقة تعد نقطة التحول فى تاريخ سبأ، ألا وهى قيام بنى حمير (Homeritae و (. . .) عند اليونان)؛ وإشارته هذه تعد أقدم إشارة بقيت لنا عن بنى حمير وسلطانهم. وفى زمن غالوس كانت السيادة السياسية فى جنوب بلاد العرب قد خرجت من يد بنى سبأ الذين كانت تحكمهم أسرة "ملوك سبأ" القديمة، وانتقلت إلى بنى حمير تحت إمرة ملوك لقبوا بلقب "ملوك سبأ وذى ريدان". وقد روى غالوس بلهجة قاطعة أن بنى حمير كانوا شعبًا غالبا على جنوب بلاد العرب. والنتيجة الصحيحة لذلك هى أنهم كانوا فى تلك الأيام أصحاب النفوذ والسلطان. وهذه الرواية تبدو من النظرة الأولى متمشية تمشيا منطقيًا مع النتيجة التى استخلصها كليزر (عز وجلie صلى الله عليه وسلمbessinier، ص 31) من النقوش ومحصلها أن بداية حكم بنى حمير كانت فى القرن الثانى -أو على الأكثر فى القرن الأول- قبل الميلاد، كما أنها تعد شاهدا ينقض المحاولة التى حاولها مورتمان ومومسن وهارتمان وغيرهم Mordtmann, Mommsen, Hatmann لرد هذه البداية إلى ما بعد مستهل العصر المسيحى، أو قل إنها لا تساعد غيرهم مثل كريمر ومولر