النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- غير مرة من سوء معاملتها إياه، واستأذنه غير مرة فى تطليقها، فكان النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- يجيبه: "أمسك عليك زوجك واتق اللَّه". ولكن زيدا لم يطق معاشرة زينب وإباءها عليه طويلا فطلقها.
وكان الشارع الحكيم قد أراد أن يبطل ما كانت تدين به العرب من التصاق الأدعياء بالبيوت، واتصالهم بأنسابها، ومن إعطاء الدعى جميع حقوق الابن، ومن إجرائهم عليه أحكامه حتى فى الميراث وحرمة النسب، وألا تجعل للتبنى واللصيق إلا حق المولى والأخ فى الدين. فنزل قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}. ومعنى هذا أنه يجوز للمدعى أن يتزوج ممن كانت زوجا لمن ادعاه. ويجوز للمتبنى أن يتزوج ممن كانت زوجا لمتبناه. ولكن كيف السبيل إلى تنفيذ هذا؟ -ومَن- مِن العرب يستطيعه وينقض به تقاليد الأجيال السالفة جميعا؟ إن محمدا -صلى اللَّه عليه وسلم- نفسه على قوة عزيمته وعميق إدراكه لحكمة اللَّه فى أمره قد وجد على نفسه الغضاضة فى تنفيذ هذا الحكم بأن يتزوج زينب بعد تطليق زيد إياها. ودار بخاطره ما يمكن أن يقول الناس فى خرقه هذه العادة القديمة المتأصلة فى نفوس العرب؛ وذلك ما يريده تعالى فى قوله {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}، لكن محمدا -صلى اللَّه عليه وسلم- كان القدوة فى كل ما أمر اللَّه، وما ألقى عليه أن يبلغ رسالته، فليخش ما يقول الناس فى تزوجه من زوج زيد مولاه، فذلك لا شئ إلى جانب خشية اللَّه بتنفيذ أمره. وليتزوج من زينب ليكون قدوة فيما أبطل الشارع الحكيم من الحقوق المقررة للتبنى والادعاء. وفى ذلك نزل قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}.
هذه رواية التاريخ الصحيح فى أمر زينب بنت جحش وزواج محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- منها فهى ابنة عمته. وكان يراها ويعرف مبلغ جمالها قبل أن تتزوج زيدا، وهو الذى خطبها لزيد. وكان