من حبها علق بقلبه لخطبها إلى أهلها على نفسه بدل أن يخطبها على زيد. وهذه الصلة بين زينب ومحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وهذا التصوير الذى صورناه به لا يدعان بعدهما لتلك القصة الخيالية التى يروون أى أساس أو أى حق فى البقاء.
وماذا يثبت التاريخ أيضًا؟ يثبت أن محمدا -صلى اللَّه عليه وسلم- خطب ابنة عمته زينب على مولاه زيد، فأبى أخوها عبد اللَّه بن جحش أن تكون قرشية هاشمية وهى فوق ذلك ابنة عمة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وأن تكون تحت عبد رق اشترته خديجه ثم أعتقه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ورأى فى ذلك على زينب عارا كبيرا. وكان ذلك عارا حقا عند العرب كبيرا. فلم تكن بنات الأشراف الشريفات ليتزوجن من موال وإن أعتقوا. لكن محمدا -صلى اللَّه عليه وسلم- يريد أن تزول مثل هذه الاعتبارات القائمة فى النفوس على العصبية وحدها، وأن يدرك الناس جميعا أن لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. وهو لا يرى أن يستكره لذلك امرأة من غير أهله، فلتكن زينب بنت جحش بنت عمته هى التى تحتمل هذا الخروج على تقاليد العرب، وهذا الهدم لعاداتها، مضحية فى ذلك بما يقول الناس عنها مما تخشى سماعه. وليكن زيد مولاه الذى تبنى والذى أصبح بحكم عادات العرب وتقاليدها صاحب حق فى أن يرثه كسائر أبنائه سواء، هو الذى يتزوجها، فيكون مستعدا للتضحية التى أعد الشارع الحكيم للأدعياء الذين اتخذوا أبناء. وليبد محمد إصراره على أن تقبل زينب وأن يقبل أخوها عبد اللَّه بن جحش زيدا زرجا لها، ولينزل فى ذلك قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}.
لم يبق أمام عبد اللَّه وأخته زينب بعد نزول هذه الآية إلا الإذعان. فقالا: رضينا يا رسول اللَّه. وزوجت زينب من زيد، وساق النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- إليها عنه مهرها. فلما سارت زينب إلى زوجها لم يسلس له قيادها ولا لان إباؤها، بل جعلت تؤذى زيدا وتفخر عليه بنسبها وبأنها لم يجر عليها رق. واشتكى زيد إلى