في الأشياء بلا مزاج، وأنه ليس في السموات العلى ولا في الأرضين السفلى مدبر غير الله (?). وليس أدل على هذا مما يناجى به ذو النون ربه فيقول: "إلهى، ما أصغى إلى صوت حيوان، ولا حفيف شجر، ولا خرير ماء، ولا ترنم طائر، ولا تنعم ظل، ولا
دوى ريح، ولا قعقعة رعد، إلا وجدتها شاهدة بوحدانيتك، دالة على أنَّه ليس كمثلك شيء ... إلهى لاتترك بينى وبين أقصى مرادك حجابًا إلا هتكته، ولا حاجزًا إلا رفعته، ولا وعرًا إلا سهلته، ولا بابًا إلا فتحته، حتَّى تقيم قلبى بين ضياء معرفتك، وتذيقنى طعم محبتك، وتبرد بالرضى منك فؤادى وجميع أحوالى، حتَّى لا أختار غير ما تختاره، وتجعل لى مقامًا بين مقامات أهل ولايتك، ومضطربًا فسيحا في ميدان طاعتك .. " (?)
على أن هذه النزعة التيوزوفية التي تظهر من خلال نظريتى ذى النون في المعرفة والتوحيد، والتى أجملناها هنا، قد عرض لها هذا الصوفى مفصلة، وعرضها في صورة شعرية ضمنها قصيدة طويلة نقف منها عند بعض أبياتها الدالة على منزعه التيوزوفى في
معرفة الذات الإلهية وإثبات الوحدانية لها. قال ذو النون:
رب تعالى فلا شئ يحيط به ... وهو المحيط بنا في كل مرتصد
لا الأين والحيث والكيف يدركه ... ولا يحد بمقدار ولا أمد
وكيف يدركه حد ولم تره ... عين وليس له في المثل من أحد
أم كيف يبلغه وهم بلا شبه ... وقد تعالى عن الأشباه والولد
من أنشأ قبل الكون مبتدعا ... من غير شيء قديم كان في الأبد
ودهر الدهر والأوقات واختلفت ... بما يشاء فلم ينقص ولم يزد