بصفة خاصة.
والمعرفة على ضروب ثلاثة: معرفة عامة المؤمنين، ومعرفة المتكلمين والحكماء، ومعرفة خواص الأولياء المقربين الذين يعرفون الله بقلوبهم.
وليس من شك في أن هذا الضرب الثالث من المعرفة هو عند ذى النون أرقى وأسمى ضروبها جميعًا، وذلك لأنها تتخذ موضوعها من الذات الألهية وما لهذه الذات من صفات الوحدانية، وهي لا تحصل عن طريق الكسب والتعلم والتصور والاستدلال، وإنما هي إلهام ونفث في الروع ونور يقذفه الله في سر العبد فيعرف العبد الله معرفة مباشرة لا واسطة فيها ويقينية لا شك يعتريها. ويدل على ذلك ما أجاب به ذو النون وقد سئل بم عرف العارفون ربهم؟ فقال ما نصه: "إن كان بشيء فبقطع الطمع والأشراف منهم على اليأس مع التمسك منهم بالأحوال التي أقامهم عليها، وبذل المجهود من أنفسهم، ثم إنهم وصلوا بعد إلى الله بالله" (?). ويدل عليه أيضًا ما أجاب به وقد سئل بم عرفت ربك؟ فقال: "عرفت ربى بربى، ولولا ربى ما عرفت
ربى" (?). هذا فيما يتعلق بمعرفة الله، أما فيما يتعلق بالمعرفة عامة فإن ذا النون يرى أنها تنال بأشياء ثلاثة: بالنظر في الأمور كيف دبرها، وفى المقادير كيف قدرها، وفى الخلائق كيف خلقها (?).
إذا كانت معرفة الانسان للذات الإلهية معرفة إلهامية على هذا الوجه الَّذي لا يدانيها فيه أي ضرب من ضروب المعرفة الأخرى سواء من حيث الموضوع والمنهج، فقد ترتب على ذلك أنَّه بغير هذه المعرفة الإلهامية المباشرة لا يمكن أن تعرف الذات الإلهية إلا من طريق صفات السلوب، إذ إن الذات الإلهية ليس كملثها شيء مما يتصوره وهم الإنسان. وهذا يعنى بعبارة أخرى
أن الذات الإلهية قد تفردت عند ذى النون بالوحدانية، كما يعنى أن نظريته في المعرفة متصلة اتصالًا وثيقًا بنظريته في التوحيد: فعنده أن قدرة الله