على ارتكاب الشر واقتراف الذنب: فهو يرى أن سبب الذنب النظرة، وأن من النظرة الخطرة، وأن في تدارك الخطرة بالرجوع إلى الله ذهابها، وإلا فإنها تمتزج بالوساوس فتتولد منها الشهوة، وهذا كله باطن لم يظهر بعد على الجوارح؛ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن في تدارك الإنسان للشهوة ما يجعله بمأمن من غوائلها، وإلا تولد من الطلب العقل (?). فواضح هنا أن ذا
النون قد رتب ما يقع في باطن النفس الإنسانية بعضه على بعض، ورد ما يظهر من أفعالها بعضه إلى بعض، وذلك لكى يظهرنا آخر الأمر على العلة الأولى البعيدة التي تنشأ منها وترجع اليها الشهوات النفسية التي تفسد على الإنسان حياته الروحية الباطنة وحياته العملية الظاهرة كما تفسد عليه صلته بربه إذ يخضع لنفسه ويقع في ذنبه.
ولا يقف ذو النون في تحليله للنفس الإنسانية عند هذا الحد الَّذي يكشف معه عن باطنها ويعلل شهواتها تعليلًا نفسيًا خالصًا وإنما هو يتجاوزه إلى شيء آخر: ذلك بأنه يتحدث عن أخلاق النفس وما ينبغي أن تتحلى به وما ينبغي أن تتخلى عنه، حديثا نتبين من خلاله أن النفس التي هي موضوع لذلك التحليل وشهواتها التي هي مجال لما قدم من تعليل، هي أيضًا موضوع لعلم
الأخلاق، ومنبع للمحمود والمرذول من هذه الأخلاق. وإنه ليتحدث عن أخلاق النفس تارة بالذات، وتارة أخرى بالعرض؛ وهو حين يتحدث عنها بالعرض إنما يذكرها على أنها مقومات أو ثمرات أو علامات لهذه الحال أو تلك، ولهذا المقام أو ذاك من المقامات التي تمر بها نفس السالك في طريق الله، والأحوال التي تختلف عليها وقد جعلت غايتها ابتغاء وجه الله.
فمن أمثلة ما يعرض له بالذات من أخلاق النفس ما تحدث به عن العاقل وعن الكريم: فعنده أن العاقل يعترف بذنبه، ويحس بذنب غيره، ويجود بما لديه، ويزهد فيما عند غيره، ويكف أذاه، ويحتمل الأذى عن غيره. وعنده أيضًا أن الكريم يعطى قبل السؤال، فلا يعقل أن يبخل بعد السؤال، ويعذر قبل