المذهب، فإنه يجمل بنا أن نقف عند مسائل ثلاث هي في رأينا جماع مذهبه وملتقى خصائصه، ونعنى بهذه المسائل الثلاث: الطريق إلى الله وتحليله إلى عناصره العملية والروحية، والمعرفة، والمحبة، ولن نقف في عرضنا لهذه المسائل الثلاث عند حد ما يذكره أبو نعيم من نصوص ذى النون التي تشتمل عليها، وإنما سنضيف إليه أطرافا مما يورده غيره من المؤلفين الذين كتبوا عن ذى النون. وسنحاول بقدر المستطاع أن نؤلف بين هذا وذاك تأليفا تتضح معه الأفكار. وتتبين من خلاله المذاهب.
1 - وأول ما يلاحظه المتأمل في مذهب ذى النون الصوفى الَّذي يكشف فيه عن معالم الطريق إلى الله هو أن مدار الكلام عنده في هذه الناحية إنما يقوم على أربعة أشياء: حب الجليل، وبغض القليل، واتباع التنزيل، وخوف التحويل: فهو قد جعل من حب الله والإعراض عن الدنيا والسير على نهج الكتاب والسنة والخوف من أن ينكص الإنسان على عقبيه متابعة لنفسه ومسايرة لنزواتها وشهواتها، أسسا يقوم عليها مذهبه الصوفى، ومثلا عليا ينبغي أن يتحقق بها من سلك طريق الله سبحانه وتعالى. وليس من شك في أن أهم هذه الأسس الأربعة وأشملها لغيرها من الأسس الثلاثة الأخرى هو ما عبر عنه ذو النون بحب الجليل، لا
لأنه قدمه على غيره من هذه الأسس فحسب، بل لأنه كان يرى أن من علامات المحب لله عز وجل متابعة حبيب الله [- صلى الله عليه وسلم -] في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسننه (?).
وهذا يعنى بعبارة أخرى أن الوقوف مع النفس الأمارة والخضوع لنزواتها هو عند ذى النون أكثف أنواع الحجب: لأن طاعة النفس إنما هي عصيان لله، وهذا العصيان أصل جميع الحجب (?)، وهنا نجد لذى النون حديثًا عن الذنب وقد سئل عن سببه، فإذا هو يجيب إجابة هي أدنى ما تكون إلى تحليل النفس الإنسانية وما يوجهها من دوافع، وما تنزع إليه من نوازع تحملها