الدؤوب على طاعة الله عز وجل بالحركات، وظعنت أنفسهم عن المطامع والشهوات، فتوالهوا بالفكرة، واعتقدوا بالصبر، وأخذوا بالرضا، ولهوا عن الدنيا، وأقروا بالعبودية للملك الديان، ... إذا عوملوا فإخوان حياء، وإذا كلموا فحكماء، وإذا سئلوا فعلماء، وإذا جهل عليهم فحلماء، فلو قد رأيتهم لقلت عذارى في الخدور، وقد تحركت لهم المحبة في الصدور، بحسن تلك الصور التي قد علاها النور ... إخوان صدق وأصحاب حياء ووفاء وتقى وورع وإيمان ومعرفة ودين ... " (?)

وأما كيف انتهى أمر ذى النون مع الخليفة المتوكل إلى التبرئة بعد الاتهام، وإلى رده إلى مصر مكرما بعد ما لقى من أذى واضطهاد، فذلك ما يفصله الشعرانى في قصة طويلة يكفى أن نقف منها عند ما يرويه الشعرانى على لسان ذى النون نفسه مبينا ما دار بينه وبين الخليفة من حوار كتبت له السلامة في خاتمته: فقد قال ذو النون " ... فلما دخلت على المتوكل سلمت عليه

بالخلافة، فقال لى؛ ما تقول فيما قيل فيك من الكفر والزندقة؟ فسكت. فقال وزيره: هو حقيق عندى بما قيل فيه، ثم قال لى: لم لا تتكلم؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، إن قلت لا كذبت المسلمين، بيان قلت نعم، كذبت على نفسى بشيء لا يعلمه الله تعالى عنى، فافعل أنت ما ترى، فإنى غير منتصر لنفسى، فقال المتوكل: هو رجل برئ مما قيل فيه ... " (?)

-3 -

مذهب ذى النون التصوفى

ليس بين أيدينا كتب أو رسائل لذى النون أودعها وصف أحواله، وجعل منها سجلًا لأقواله التي يمكن أن يتبين منها مذهبه التصوفى، وما كان ينزع إليه في هذا المذهب من منازع روحية، ومعارف ذوقية، ولكن الأستاذ لويس ماسنيون يذكر لذى النون. كتابا يعرف باسم كتاب العجايب، كما يذكر أنَّه وقف على اسم هذا الكتاب من الثبت الَّذي أورده بروكلمان (?) ولعل كل ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015