وإنما تدفع الجزية له. ويجمع الفقهاء على أن الدار التي تفتح صلحا تقابل الدار التي تفتح عنوة، والمثلان التاريخيان لهاتين الحالتين والدالان على نشأة الاصطلاحين هما نجران وبلاد النوبة. وقد عقد النبي [- صلى الله عليه وسلم -] صلحًا مع نصارى نجران أمنهم فيه على حياتهم، وفرض عليهم ما رآه بعض الفقهاء فيما بعد خراجًا وبعضهم الآخر جزية وتفصيل هذه الرواية في كتاب البلاذرى (طبعه ده غوى، ص 63 وما بعدها Leben, Mohammads: Sprenger جـ 3، ص 502 وما بعدها) وكانت هذه الحماية المضروبة على أهل نجران قليلة الجدوى في مجرى الحوادث بفضل وجودهم داخل الجزيرة العربية. أما بلاد النوبة فكان أمرها مختلفا بعض الشئ، فإن براعة أهلها في رمى السهام جعلتهم يقفون في وجه الفتح الإسلامى، ويحتفظون باستقلالهم قرونًا حتى إن عبد الله بن سعد عقد معهم عهدًا لم يطلب منهم فيه الجزية، واكتفى بقليل من العبيد. على أن بعضهم قد كره أن تكون هناك أرض ليست في واقع أمرها دار إسلام أو دار حرب مما يجعلها خارج نطاق الفتح الإسلامى، فقالوا إن ذلك لم يكن صلحًا أو عهدًا، وإنما كان هدنة يتبادل فيها الفريقان السلع (البلاذرى: فتوح، طبعه ده غوى ص 236 وما بعدها؛ Gesch. d. Chalifen. Weil جـ 1، ص 16 وما بعدها؛ Lane Poole " وقد اتبع المقريزى" ص 21 وما بعدها؛ Torrey مترجما عن ابن الحكم. Yale رضي الله عنهibl & Sem. Studies ص 307 وما بعدها) ولعل هذه النظرة في صورة من صورها الغامضة بعض الشئ كانت هي الأساس الذي جعل التعاهد مع الدول النصرانية أمرًا مسلما بإمكانه، ومن ثم تعد الهدايا المرسلة من هذه الدول خراجا. وقد وضع الماوردى طبقا لذلك أساس الحكم الفقهي في هذه المسألة من الناحية الشكلية فقال: كل الديار تنقسم ثلاثة أقسام: الأول الديار المفتوحة عنوة، والثاني المفتوحة بلا قتال بعد فرار أهلها، والثالث المفتوحة صلحًا. وينقسم هذا النوع أيضًا قسمين حسب تسمية الأرض "أ" الأرض الموقوفة على المسلمين "ب" التي تظل مع أهلها