استيلاء التتار على بغداد خلف رسالة يدافع فيها عن المذهب الحنبلى. وأقام فى أثناء رحلته الرسمية مدرسة فى دمشق هى "الجوزيّة" التى أصبحت محكمة للقاضى الحنبلى. وفى الأقاليم كذلك كان للمذهب الحنبلى ظهور مبكر جدًا. ففي أصفهان كثيرًا ما يذكر أبو عبد الله بن منده المتوفى فى سنة 395 هـ (1004 - 1005 م) وابنه أبو القاسم المتوفى سنة 470 هـ (1077 - 1078 م) باعتبارهما من الكتاب ذوى المكانة (الاختصار، ص 339 - 396).
وفى هراة خلّف الأنصارى المتوفى سنة 481 هـ (1088 - 1089 م) أشهر رسالة صوفية فى تاريخ المذهب الحنبلى وهى "كتاب منازل السائرين".
وفى دمشق كان من أوائل شيوخ المذهب الشيخ أبو صالح مفلح المتوفى سنة 333 هـ (941 - 942 م) وقد أسس مسجدًا يحمل اسمه خارج الباب الشرقى (البداية، جـ 11، ص 204 - 206). على أن المذهب الحنبلى أصبح راسخ القدم فى فلسطين والشام على يد أبي الفرج الشيرازي المتوفى سنة 486 هـ (1093 م) بوجه خاص (الطبقات, جـ 2، ص 248 - 249؛ الذيل، جـ 1، ص 68 - 73). بل إن ابنه عبد الوهاب المتوفى سنة 536 هـ (1141 - 1142 م) الذى كان هو نفسه واعظًا ومؤلفًا لكتاب فى الرد على المذهب الأشعرى، قد أسس بدمشق أول مدرسة حنبلية عظيمة الشأن (الذيل، جـ 1، ص 198 - 201).
ومن علماء الحنابلة الآخرين علا نجم أسرتين بدمشق أيام حكم بنى زنكى والأيوبيين وهما بنو منجى ثم بنو قدامة على وجه الخصوص وهم من أبناء فلسطين (Precis de: H. Laoust drou d'Ibn Kudama, فى PIFعز وجل، 1950) ولهذه الأسرة الأخيرة ينتمى الشيخ عبد الغنى المتوفى سنة 652 هـ (1254 - 1255 م) وهو محدث ذو ميول صوفية مناوئة للأشعرية، وكذلك الشيخ موفق الدين بن قدامة المتوفى سنة 620 هـ (1223 م) الذى ندين له برسالة فى الفقه الحنبلى هى "المغنى" (فى 12 مجلدًا، القاهرة, 1922 - 1930) , وكانت هذه الرسالة وما زالت