حمص. فقد انتقض أهلها، ومعظمهم من أصل يمنى، على القيسية واستدعى ذلك إنفاذ عدة حملات تأديبية عليهم منذ أيام هارون الرشيد (170 - 193 هـ = 786 - 809 م) وكانت حمص فى تلك الأيام تنعم بالرخاء، ذلك أن خراجها بلغ فى قول الجهشيارى 320,000 دينار وحمل ألف جمل من العنب، وكانت آخر حملة تأديبية شنت عليها فى عهد المستعين، ذلك أنه عمد سنة 250 هـ (864 م) إلى وضع حلب وقنسرين وحمص فى ولاية والٍ واحد.
فلما ضعفت الخلافة العباسية مَدَّ أحمد بن طولون والى مصر سلطانه إلى الشام سنة 264 هـ (878 م) وظل سلطان الطولونيين يمكن لنفسه حتى سنة 282 هـ (896 م) وفى سنة 269 هـ (883 م) أقام أحمد نائبًا له الأمير لؤلؤًا ففرض لؤلؤ سلطان مولاه على حمص وحلب وقنسرين وديار مضر. وظهر القرامطة فى هذه الأيام وبذروا بذور الفتنة فى أرجاء هذا الإقليم وبلغ زعيمهم حسين الملقب بصاحب الشامة حمص سنة 290 (903 م) قادمًا من دمشق، وأراد أهل المدينة أن يتحاشوا أعمال الغصب والابتزاز فقبلوا أن تكون الخطبة باسم السيد الجديد، واستولى هذا السيد على حماة وسلمية ومعرة النعمان قبل أن يبلغ حلب، حيث امتشق الحمدانيون الحسام فى وجهه.
وفى منتصف القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) سعت حمص إلى الاستعانة بالحمدانيين أصحاب حلب تحاشيًا لوقوعها فى سلطان الإخشيديين أصحاب دمشق. وفى سنة 333 هـ (944 م) انتصر الحمدانيون فى وقعة رستان على نهر العاصى، واستولى سيف الدولة على حمص وظلت فى حكم أسرة الحمدانيين حتى سنة 406 هـ (1016 م). وفى سنة 356 هـ 967 م) توفى سيف الدولة، فحكم حمص سنة أبو فراس. وحاول هذا الشاعر الفحل أن يشعل فتنة على سعد الدولة ولكنه هزم وأسر وقتل فى الثانى من جمادى الأولى سنة 357 (4 أبريل سنة 969).