للحكومة فى العراق والأردن ظلت سنوات عدة تقوم على فرض النظام والأمن العام، أو بعبارة أخرى، فإن المهمة الأساسية للحكومة المركزية كانت هى التأكد من أن سلطتها تحظى بالاعتراف والقبول العام من جانب كل الجماعات التى تضمها الدولة. وكان هذا ضروريًا أيضًا لتحصيل الضرائب على نحو أكثر تنظيمًا وتوفير الدخل الكافى للتنمية الزراعية وتنفيذ الأشغال العمومية.
وفى سوريا والعراق خاصة، أدت الاضطرابات السياسية الحديثة كما تتبين فى الانقلابات والانقلابات المضادة والتطهيرات، إلى المعاناة الشديدة التى تلاقيها هيئات العاملين الإداريين الدائمة فى النهوض بأعمالها. وأسوأ من هذا عدم ثقة الشعب فى جميع نواحى الإدارة والشك فيها مما يجعل عمل أى حكومة أكثر صعوبة.
وقد خبرت جميع البلاد التى تناولناها هنا لونًا من الوصاية من قبل الاحتلال الإنجليزى أو الفرنسى. وأثر ذلك على بنائها الحكومى وإجراءاتها، وخاصة فى مجال القضاء والإدارة الإقليمية وإدارة التعليم العام. والاستقلال الحقيقى حديث جدًا بالنسبة لهذه البلاد، حتى يمكن للمرء أن يقول إنها تمر بفترة انتقالية. ومع هذا فالفرق بين الحكومة فى هذه البلاد الآن وفى الماضى، علاوة على المحافظة على القانون والنظام، هو أنها اضطلعت بمهام جديدة واسعة فى التخطيط، كما عالجت فى بعض الأحيان الاقتصاد القومى، ووفرت خدمات بعيدة المدى للجمهور.
ويبدو أن تنمية أحدث فى بعض هذه البلاد قد قدر لها أن تؤدى إلى تزايد المركزية، ومن ثم سيطرة وتنظيم إدارى أقوى، وهذه ظاهرة فى الدول ذات الحزب الواحد كالاتحاد الاشتراكى العربى فى مصر، والاتحاد الاشتراكى العربى العراقى فى العراق. وهكذا لا تمارس السيطرة على الدولة عن طريق الحكومة والإدارة فحسب، بل تمارس أيضًا عن طريق تنظيم سياسى شعبى ليس له منافسون، فقد حرمهم القانون حتى من حق الوجود العام.