المتقدمون -وفيهم الفارابى- تجنب البحث؛ فعرَّفوا الجن بتعريفات غامضة، ولكن ابن سينا عند تعريفه لكلمة "جن" أكد في غير مواربة أنه ليست هناك حقيقة واقعة وراء هذه الكلمة، وتخلص الفلاسفة المسلمون المتأخرون من هذه المسألة أيضًا فلجأوا حينا إلى التفاسير وحينا إلى الميتافيزيقا. فابن خلدون مثلًا يجعل الآيات القرآنية التي تشير إلى الجن من الآيات المتشابهات وعلمها عند الله وحده (سورة آل عمران، الآية 7). وقد درست هذه المذاهب المختلفة دراسة جيدة في كشاف اصطلاحات الفنون (ج 1، ص 261 وما بعدها؛ وانظر مفاتيح الغيب للرازى، سورة الجن).

3 - الجن في الأدب الشعبي.

من الطبيعي جدا أن يكون الانتقال إلى هذا الباب قد جاء عن طريق استخدام الجن في السحر. فقد أقر الفقه الإسلامي دائما مثل هذا الاستخدام، وإن كان الاختلاف في شرعيته. فصاحب الفهرست يتتبع الأنواع المباحة وغير المباحة إلى الأزمنة القديمة، ويذكر مصادره اليونانية والحرَّانية والكلدانية والهندية. واليوم تعد الكتب التي تتناول ارتباط الجن بالأعمال السحرية جزءًا هاما من أدب الشعب. فالجميع يعرفون هذه الكتب ويقرأونها ولا تخفى خافية منها على المشتغلين بالسحر، وللجن شأن هام أيضًا في القصص الشعبي، على خلاف قصص أئمة الأدباء. وهذا ما نشاهده في ثنايا كتاب ألف ليلة وخاصة في القصص الدينية الشعبية التي نشر فايل Weil قصتين منها في ترجمته لهذا الكتاب، وهما قصة جودر الصياد، وقصة على وظاهر الدمشقي. وأقرب من هذا إلى آراء الجماهير مجموعة Marchen وهي التي جمعها عن طريق الرواية أرتين صلى الله عليه وسلمrtin وأويستروب Oes- trup وسبيتا وستومه Stomme وغيرهم. ففي هذه المجموعات تطغى الخصائص الشعبية للأجناس المختلفة على الطابع الإسلامي العام. فالروح الظاهرة فيها أقرب إلى روح أهل شمال إفريقية والمصريين والشاميين والفرس والترك منها إلى الروح العربية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015