مصر والتحق برواق الجبرت بالأزهر في مستهل القرن العاشر الهجرى (نهاية القرن الخامس عشر الميلادي أو مستهل القرن السادس عشر الميلادي). وهناك أصبح شيخ الرواق وزعيم جماعة الجبرت. وانتقل منصب شيخ الرواق بالوراثة من الأب إلى الابن في أسرة الجبرتى، ويوصف كل من شغلوا هذا المنصب بأنهم قوم متدينون وزهاد صالحون.
وظهر من هذه الأسرة مؤرخ عظيم، كان بلاشك ظاهرة فريدة في فن تدوين التاريخ الإسلامي لأن فترة الحكم العثمانى في مصر (918 - 1226 هـ = 1512 - 1811 م تقريبًا) معروفة بندرة مصادرها التاريخية التي كتبها سكان البلد المعاصرون، وهي تخللف في ذلك اختلافًا مشهودًا عن عهد سلاطين المماليك (648 - 918 هـ = 1250 - 1512 م) الذي يزخر بوفرة من مصادر المعلومات البالغة التفصيل والدقة التي لا يدانيها كما وكيفا أي مصدر للمعلومات في أي بلد آخر من بلاد الإسلام. ولا شك أن النهضة المحدودة التي حدثت في تدوين التاريخ بمصر حوالي ختام القرن الحادي عشر الهجرى (السابع عشر الميلادي) لم تغيرفى طبيعة هذه الحال تغييرا جوهريا. وكانت دراسة التاريخ، بشهادة الجبرتى نفسه، قد لقيت من معاصريه التجاهل التام والاستخفاف. والظاهر أن معرفته بالتاريخ المصري والإسلامى حتى عام 1100 هـ (1688 م، وهو العام الذي يستهل به أخباره) كانت محدودة جدًّا، ومع ذلك فإنه على الرغم من هذه العقبات وأنه لم يكتب إلا تاريخًا محليًا لا يخرج عن نطاق ولاية تابعة لإمبراطورية أوسع، فقد وُفق في تدوين تاريخ يعد من أهم تواريخ البلاد العربية في العصر الإسلامي.
وأهم مصنفات الجبرتى كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار"، الذي يستوعب الحوادث من سنة 1100 هـ إلى 1236 هـ) (1688 - 1821 م). وهو يسوق روايتين عن تصنيفه، ويبدو من الرواية الأولى، وهي غير واضحة كل الوضوح، أنه بدأ