وأساس علم جابر هو ما يطلق عليه اسم الميزان. ويشمل هذا المصطلح نواحى كثيرة هي أشد ما تكون اختلافا، وهو يدل دلالة واضحة على التوفيق بين المذاهب المتباينة الذي يمتاز به علم جابر. والميزان معناه: (1) الوزن النوعى، ولجابر في ذلك إشارات إلى أرشميدس، (2) ميزان أصحاب الكيمياء القدامى ستاتهموس وهو وزن مقدار الأجساد خلة في خلط أومزاج، (3) مذهب في الحروف العربية المتصلة بأمهات الطبائع الأربع وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ولايطبق ميزان الحروف على الأشياء التي تحت الفلك فحسب بل يطبق أيضًا على الأنيات الميتافيزيقية كالعقل والنفس والمادة والمكان والزمان. وقد استقى جابر مذهبه هذا من الفيثاغورية الجديدة ومن النظريات في الجفر المنتشوة عند الشيعة العلوية، (4) الميزان هو أيضًا المبدأ الميتافيزيقى في ذاته، وهو رمز لمذهب جابر في التوحيد العلمي، وهو بهذا المعنى موجَه ضد ثنوية المانوية. والظاهر أن مذهبه في ذلك لم يخل من أثر آراء المدرسة الأفلاطونية الجديدة في شأن الواحد والوحدة، (5) ثم إن الميزان تأويل لما ورد في القرآن من ذكر الميزان في يوم الحساب. وهذا المذهب موجود أيضًا عند أصحاب العرفان من بين المسلمين، وقد توسل به جابر في ربط عقائده العلمية بتعاليمه الدينية.

والظاهر أن رسائل جابر لها صلة وثيقة بالعلماء الوثنيين الذين عاشوا في الأوساط الحزانية. فهو يشير بجلاء إلى الصابئة عند ما يسوق جدلهم في بعض مسائل ما وراء الطبيعة. أما المصدر المباشر الذي يستقى منه علومه فكتب منسوبة إلى باليناس الطوانى ولاسيما كتاب سر الخليقة وغيره، وهذه التواليف منحولة ألفت في زمن المأمون على ما يقوله محمد بن زكريا الرازي، وهي خير مصدر لمعرفة تفكير المدرسة الحَرّانية.

ويقول جابر إنه تلقى علومه من سيده جعفر الصادق، ويردها جميعا إلى أستاذه هذا الذي يسميه "معدن الحكمة" ويصرح بأنه لم يبق له -أي لجابر- إلا جمعها وترتيبها. فمرتبة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015