ولما كانت معرفتنا بما وصل إلينا من هذه العلوم والفنون عن اليونان ضئيلة مشوهة في كثير من الأحوال، فإن لمؤلفات جابر قيمة خاصة فيما تمكننا من التعرف بنواحٍ هامة من العلوم اليونانية ظن الجميع أننا فقدنا آثارها.
أما الكيمياء فإن جابرًا يخالف فيها كل المعارف التي وصلت إلينا من كيمياء القدماء. ذلك أنه يستغنى على الإطلاق عن استعمال الرموز والتشبيهات "الهرمسية" التي ترجع في آخر أمرها إلى علوم المصريين القدماء والتي ترد في كتب زوسيموس وغيره من مؤلفى اليونان، وهي الرموز والتشبيهات التي أحياها في الإساوم معظم أصحاب الكيمياء من أمثال ابن أميل وصاحب "مصحف جماعة الفلاسفة" و (Turba philosphorum)، والطغرانى والجلدكى وغيرهم. أما كيمياء جابر فهو علم تجريبى قائم على نظرية فلسفية.
وهذه النظرية الفلسفية مأخوذة في معظمها من طبيعيات أرسطو. فجابر يعرف كل أجزاء الكتب الأرسطية وكذلك شروح الإسكندر الأفروديسى وثامسطيوس وسمبليقيوس وفرفوريوس وغيرهم، وهو يأخذ أغلب ما يأخذه عنها مما نقله حنين بن إسحاق المتوفى عام 26 هـ وتلاميذه ويروى أيضًا عن كتب أفلاطون وثاوفرسطس وجالينوس وأوقليدس وبطلميوس وأرشميدس وغيرهم، وبعض هذه الكتب فقد أصله اليونانى. وليس في تواليف المسلمين في الكيمياء كتب ككتب جابر تكشف عن هذه المعرفة الواسعة بتصانيف القدماء أو تمتاز بهذه الإحاطة "الموسوعية". وهي تشبه في ذلك رسائل إخوان الصفاء التي يعرف عنها أنها ترجع إلى مصادر ونزعات شبيهة بالمصادر والنزعات التي تستمد منها رسائل جابر بن حيان.
وأما مصطلحات العلوم التي يستعملها جابر فهي عين المصطلحات التي اصطنعها حنين بن إسحاق، وهذه بينة أخرى على أن مجموع كتبه لا يمكن أن يكون قد ألف قبل نهاية القرن الثالث الهجرى.