ولم تذق إفريقية بعد طعم السلام على الرغم من نفوذ خلفاء مراكش أصحاب السلطان الجديد فيها، ولم يستشعر الناس سلطان الموحدين مباشرة، ذلك أنهم أقاموا من قبلهم عاملًا في مدينة تونس، وكان هذا العامل يختار عادة من أقارب الخليفة الأدنين، وما أسرع أن ظهر عجزه عن إعادة النظام إلى الولاية. فقد كان العرب يتهددونها دائما، يضاف إلى ذلك ما أحدثته جماعات التركمان من اضطراب بزعامة قراقوش الأرمنى الجسور وما بذله على (المتوفى عام 1188 م) وأخوه يحيى من بيت بنى غانية المرابطى من محاولة أخيرة. وشخص الخليفتان يوسف عام 1180 م ويعقوب المنصور عام 1187 م إلى تونس على رأس الجند، بيد أن ذلك لم يكن كافيا لتحسين الحال، وكان يحيى مجدودًا، ففي عامِ 1200 م تخلص من حليفه السابق قراقوش وغلب خصمه ابن عبد الكريم الرغراغى خليفة ابهدية على أمره، وبسط سلطانه من قاعدته في الحريد على ولاية تونس باسرها. واحتاج الأمران ينفذ الخليفة الناصر عام 1205 - 1207 م حملة يقضى بها على المرابطين وذلك بزعزعة سلطان يحيى وإقامة حكومة قوية على الولاية عهد بها أول الأمر إلى "الشيخ" عبد الواحد بن أبي حفص بطل الأرك عام (1207 - 1221 م)، وهكذا بلغ الحفصيون أول مرتبة من مراتب السلطان.

واستعمل فرد آخر من بنى حفص على تونس منذ عام 1184 م، وقد انحدر هذا البيت الحفصى من أمير بربر هنتاتة- وهي قبيلة من قبائل مصمودة في أطلس مراكش- وكان له شأن عظيم بين أتباع المهدي ابن تومرت المقربين. وقد مكنوا لأنفسهم في إفريقية عام 1226 م، باستعمال أبي محمد عبد الله، وقد كاد له أخوه أبو زكرياء وحل محله بعد ذلك بعامين عام (1228 - 1249 م). واستقل أبو زكرياء بالأمر شيئًا فشيئا، ولكنه قنع مع ذلك بلقب الإمارة، وكان المؤسس الحقيقي للدولة التونسية العظيمة التي حكمت ثلاثة قرون ونصف قرن على الرغم من الأحداث التي تقلبت عليها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015