جلال حضرة الربوبية ما لا يشهده سائر البشر. وقد بلغت نساء هذه الدرجة الرفيعة في عصور النهضة والرقى منذ نشاة التصوف الإسلامي. وترجم الشعرانى في كتاب الطبقات لأربعمائة وست وثلاثين من الصوفية الأخيار، بينهن ست عشرة امرأة، كلهن من الطراز الأول بين أهل التصوف من أمثال معاذة العدوية، ورابعة العدوية، والسيدة عائشة بنت جعفر الصادق، والسيدة نفيسة ابنة الحسن بن زيد، وهو لم يستوعب الصوفيات من النساء، بل اقتصر على جماعة منهن وجعل عنوان الفصل المختص بالنساء "فصل في ذكر جماعة من عباد النساء رضي الله عنهن".

وما يكون لأحد أن يزعم أن في الإسلام نزوعا إلى الغض من الجانب الروحى للمرأة بعد الذي بيناه من استعدادها لمراتب الصوفية العليا التي تكشف فيها حجب الغيوب وتفيض على صاحبها الكرامات.

وما في أحكام الشرع الإسلامي من وجه التفرقة أحيانا بين المرأة والرجل يرجع إلى أمور مادية متصلة بالمادة كما في التفاوت في الإرث. والتفاوت في الشهادة لا يبعد عن هذا النوع، فإن ضعف الذاكرة المعلل به نقص شهادتها ليس حيفا بكمالها الروحى ولا باستعدادها للسمو الدينى.

وقد ناقش ابن حزم في كتابه "الفصل" آراء من يفضلون الرجال على النساء مناقشة تدل على أن فكرة التساوى في الفضل بين النساء والرجال كانت من الأفكار المؤيدة بين علماء المسلمين، وكان لها أنصار من طراز الإمام ابن حزم الظاهرى.

قال أبو محمد: وقد قال قائل ممن يخالفنا في هذا: قال الله عزَّ وجلَّ: {وَلَيسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} فقلنا وبالله التوفيق: فهذا أنت -عند نفسك- أفضل من مريم وعائشة وفاطمة؛ لأنك ذكر وهؤلاء إناث؟ فإن قال هذا لحق بالنوكى وكفر، فإن سأل عن معنى الآية قيل له الآية على ظاهرها ولا شك في أن الذكر ليس كالأنثى لأنه لو كان كالأنثى لكان أنثى، والأنثى أيضًا ليست

طور بواسطة نورين ميديا © 2015