جميع ما كان له، وتاب وصحب سهلا فقال يوما لسهل: إن نفسى هذه ليس تترك الضجيج والصراخ من خوف فوت القوت والقوام. فقال له سهل: خذ ذلك الحجر وسل ربك أن يصيره لك طعامًا تأكله، فقال له: ومن إمامى في ذلك حتى أفعل ذلك؟ فقال سهل: إمامك إبراهيم - عليه السلام - حيث قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَال أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَال بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}.
فالمعنى في ذلك أن النفس لا تطمئن إلا برؤية العين لأن من جبلّها الشك، فقال إبراهيم - عليه السلام -: رب أرنى كيف تطمئن نفسى؟ فإني مؤمن بذلك والنفس لا تطمئن إلا برؤية العين.
وثالثها - أن الأنبياء كلما زيدت معجزاتهم يكون أتم لمعانيهم وفضلهم، والأولياء كلما زيدت كراماتهم يكون وجلهم أكثر حذرًا أن يكون ذلك من الاستدراج لهم، أن يكون سببًا لسقوط منزلتهم عند الله.
ويقول بعض العلماء من المتكلمين والصوفية إن الأولياء لهم كرامات شبه إجابة الدعاء والإخبار بمجئ زيد من سفره، وعافيته من مرضه، فأما جنس ما هو معجزة للأنبياء، كإحياء الموتى وحصول إنسان لا من أبوين وتسبيح الحصى فلا يكون للأولياء.
أما المعتزلة وبعض الأشعرية فينكرون وقوع كرامات الأولياء وجوازها.
وقالت طائفة بمنع جواز الخوارق للأنبياء والأولياء جميعًا.
قال المجوزون للكرامات إن الكرامة جائزة، إذ ليس يلزم من فرض وقوعها محال، إذ هي أمر يتصور في العقل حصوله من غير أن يؤدى إلى رفع أصل من الأصول، فواجب وصفه سبحانه بالقدرة على إيجاده للولى وإذا وجب كونه مقدورا لله تعالى فلا شيء يمنع جواز حصوله.
وقالوا: إن انخراق العادة ليس مما ينكره المتكلمون لأنه جائز مع القول بالفاعل المختار.
ولا مما ينكره الحكماء, لأنهم يقولون بأن للنفوس الزكية قوى ربما تؤثر في أكثر الأجسام التي في عالم الكون والفساد.