يحل بالقلوب أو تحل به القلوب وليس الحال من طريق المجاهدات والرياضات كمالمقامات".
أما ابن القيم في كتاب "مدارج السالكين" فيقول: "والصحيح أن هذه الواردات والمنازل لها أسماء باعتبار أحوالها، فتكون لوامع وبوارق ولوائح عند ظهورها وبدّوها كما يلمع البارق ويلوح على بعد، فإذا نازلته وباشرها فهي أحوال، فهذا تمكنت منه وثبتت له عن غير انتقال فهي مقامات، وهي لوامع ولوائح في أولها، وأحوال في أوسطها، ومقامات في نهاياتها. فالذي كان بارقًا هو بعينه الحال، والذي كان حالا هو بعينه المقام، وهذه الأسماء له باعتبار تعلقه بالقلب وظهوره له وثباته فيه".
كان التصوف طريقًا من طرق العبادة يتناول الأحكام الشرعية من ناحية معانيها الروحية وآثارها في القلوب، فهو يقابل علم الفقه الذي يتناول ظواهر تلك العبادات ورسومها، ثم انتقل التصوف فأصبح طريقًا للمعرفة يقابل طريق أرباب النظر من المتكلمين.
قال الغزالى (?) في الإحياء: "إن للإيمان والمعرفة ثلاث مراتب: المرتبة الأولى، إيمان العوام وهو إيمان التقليد المحض، والثانية إيمان المتكلمين، وهو ممزوج بنوع استدلال ودرجته قريبة من درجة إيمان العوام.
"والثالثة: إيمان العارفين, وهو المشاهد بنور اليقين".
وكما كان الصوفية خصوم الفقهاء في الدور الأول, أصبحوا خصوم المتكلمين أهل النظر في هذا الدور.
ولعل علم التصوف إنما صار علمًا مدونًا في هذا الدور, وصار موضوعه ما يوصل إلى درجة العرفان من أنواع المجاهدات وما ينشأ عنها من الأذواق والمواجد التي هي المقامات والأحوال، وقد جدت للقوم عبارات يدلون بها على ما اكتشفوا من دقائق المعاني فضمّنوا علمهم أيضًا شرح هذه الاصطلاحات، وكثرت أسماء هذا العلم فسمى علم القلوب، وعلم الأسرار، وعلم المعارف،